![]() |
سعر الصرف ومخاطر السوق الموازي |
سعر الصرف ومخاطر السوق الموازي (السوق السوداء) على اقتصاد الدول النامية
كتب: د. مصطفى بدوى
سعر الصرف Exchange Rate,هو العنصر المحوري في اقتصاد المالية الدولية، ومتغير اقتصادي هام في الفكر المالي الحديث، وله أهمية بالغة في تعديل وتسوية ميزان المدفوعات للدول.
ما هو سعر الصرف
كل دولة لها عملتها الخاصة ,تستخدم في عمليات البيع والشراء المحلية، واستخدام العملات الأجنبية ,يصبح ضرورة عند وجود معاملات تجارية واقتصادية بين الدول, وكذلك عندما تقوم علاقات تجارية أو مالية بين شركات تعمل داخل الدولة مع شركات تعمل في دول أخرى، وبالتالي تحتاج الشركات المستوردة إلى عملة البلد المصدر لتسديد قيمة السلع المستوردة، وتضطر بذلك إلى التعامل مع سوق الصرف لشراء عملة البلد المصدر كي تتم عملية الاستيراد، و كل شخص يتنقل إلى خارج دولته الذي يقيم فيها يحتاج إلى عملة الدولة التي يود الذهاب اليها سواء كان سائحا او طالب علم او صاحب عمل.
يؤدى انخفاض قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية , وخاصة في الدول النامية الى تدهور الأوضاع الاقتصادية, مع ضغوط متزايدة جراء انخفاض قيمة العملة المحلية , التي تواجهها البلدان النامية , والتي أدت الى ارتفاع عدد البلدان التي لديها أسواق عملات موازية نشطة .
أنظمة سـعر الصـرف
تتعدد أنظمة سـعر الصـرف ما بین نظام سـعر الصـرف الثابت ونظام سـعر الصـرف المرن، و النظام المتبع يختلف باختلاف الأنظمة الاقتصادية ومدى قوتها أو هشاشتها, فى حالة نظام سعر الصرف الثابت يتحكم البنك المركزي فى سعر الصرف, اما فى حالة نظام سعر الصرف المرنة , يترك تحديد سعر الصرف للسوق أي للعرض والطلب, وما بين نظام سعر الصرف الثابت وسعر الصرف المرن ,توجد أنظمة أخرى ,فطبقا لتصنيفات صندوق النقد الدولي ,توجد خمسة أنواع من سعر الصرف الأجنبي وهى:
سعر الصرف الثابت
طبقا لهذا النظام یتم ربط سعر الصرف الرسمي للدولة بعملة دولة أخرى أو بسعر الذھب,والهدف من ھذا النظام ھو الحفاظ على قیمة العملة ضمن نطاق محدد, یتم تحدیده وفقا لسياسة البنك المركزى ,لذا تتحمل السلطة النقدیة مسؤولیة المحافظة على ھذا السعر, ضمن النطاق المعلن , وذلك من خلال قیام البنك المركزي ,بشراء و بیع عملته الخاصة في سوق الصرف الأجنبي مقابل العملة التي یرتبط بھا.
على سبیل المثال، إذا تم تحديد أن قیمة وحدة واحدة من العملة المحلیة تساوي 3 دولارات أمريكية فيجب على البنك المركزي التأكد من إمكانية تزويد السوق بھذا المبلغ من الدولارات مقابل كل وحدة من العملة المحلیة التي یقبلھا من أجل الحفاظ على السعر، في ھذه الحالة ٍ یجب على البنك المركزي الاحتفاظ بمستوى عال من الاحتياطيات الأجنبية. لذلك تعتبر احتياطيات النقد الأجنبي خط الدفاع الأول الذي یستخدمھا البنك المركزي لامتصاص أو ضخ أموال إضافية إلى أو من سوق الصرف الأجنبي مع ضمان توفر عملة محلیة، كما یمكن ً أيضا تعديل سعر الصرف الرسمي عند الضرورة. تجدر الإشارة إلى أن معظم الدول العربية والعديد من دول العالم لا تزال تستخدم ھذا النوع لما له من مميزات أھمھا ما یلي,( العبــاس، 2003):
•يساعد في الاستقرار النقدي نسبیا,مقارنة بنظام سعر الصرف العائم.
• يعمل على تشجيع وجذب الاستثمارات ومحفز للإنتاج ، حیث یتفادى تقلبات أسعار الصرف المرتبطة بعدم الیقین.
• یتأثر موقف المیزان التجاري بالنظام المرن أكثر منه بالنظام الثابت، لأنه یرتبط بتقلبات أسعار الصرف. ولهذا السبب، تستخدم العديد من الدول المصدر ة للنفط ھذا النوع من نظم سعر الصرف, لكون عملة ببع النفط ھو الدولار الأمريكي الذي یعد العملة الاحتياطية الأولى في العالم.
• في ظل أسعار الصرف الثابتة، تقوم البنوك المركزية بإجراء تعديلات على أسعار الصرف الحقیقیة للتأثير إیجابیا على موقف الميزان التجاري.
سعر الصرف الثابت- الزاحف الثابت,
سعر الصرف الثابت الجامد (مجلس العملة): وذلك في حالة استخدام دولتان أو أكثر عملة موحدة تحت سیطرة سلطة نقدیة مشتركة ,أو تقوم بربط أسعار صرف ,عملاتھا بعملة موحدة، یمكن تصنیف ھذه الدول على أنھا تتبنى نظام سعر الصرف الثابت الجامد ,من الناحية النظرية يأخذ نظام سعر الصرف الجامد شكلا من اشكال اتحاد العملة (commmon currency).
ففي حالة اتحاد العملة ,يقوم البنك المركزي للدول الأعضاء بإحلال عملته المحلية بعملة الاتحاد النقدي المستخدمة في المنطقة الاقتصادية المعنية ,كما هو الحال :فى منطقة اليورو في الاتحاد الأوروبي , وفى هذه الحالة لا تتمتع الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي باستقلالية السياسة النقدية فى التطبيق ,ويمكن تعويم عملة اليورو مقابل مجموعة من العملات خارج الاتحاد الأوروبي.
أما في حالة مجلس العملة (currency board):
تكون الوحدة النقدية الواحدة من العملة المحلیة مدعومة بالكامل باحتياطي للنقد الأجنبي عند سعر صرف محدد وفقا للقانون dejure ,و البنك المركزي فى هذه الحالة لیس لدیه الاستقلالية الكاملة لإصدار كمیة العملة التي یرى أ نھا مناسبة للظروف الاقتصادية السائدة، ففي حال رغبة البنك المركزي في إصدار كمیة إضافية من العملة المحلیة، يتطلب ذلك توفر كمیة كافیة من النقد الأجنبي ,لدعم الوحدات من العملة الأجنبیة,وتعتبر ھونج كونج مثال للإقليم الإداري للصین الذي تبنى مجلس العملة.
الزاحف الثابت:
وهو أحد أفرع النظام الثابت (crawling peg), ,حيث يتم تعديل سعر العملة بشكل دوري استجابة لتغيرات المؤشرات الاقتصادية الكمیة في الاقتصاد المحلي مثل التغيرات في معدلات التضخم وأسعار الفائدة, ولدى الشركاء التجاریین الرئیسیین، بالإضافة الى مستوى الاحتياطي من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي.
- وقد تشهد الدول التي تطبق نظام سعر الصرف الثابت , نشاطا للسوق الموازي وللمضاربين في سعر العملة.
- وقد تشهد الدول التي تطبق نظام سعر الصرف الثابت , نشاطا للسوق الموازي وللمضاربين في سعر العملة.
التعويم الحر( سعر الصرف المرن )
وهو عكس السعر الثابت حيث یتم تحديد سعر الصرف المرن وفقا لآلية العرض والطلب (سعر السوق), وبالتالي وفقا لهذا النظام يتم تصحيح أي اختلافات في العرض والطلب تلقائيا في السوق, حيث يطلق على ً السعر العائم "التصحيح الذاتي " .
على سبیل المثال ، إذا كان الطلب على عملة ما ً منخفضا، فإن قیمتھا تنخفض، ما یجعل السلع المستوردة أغلى ثمنا بالتالي بحفز الطلب على السلع والخدمات المحلیة، ما یؤدي بدوره إلى خلق المزبد من الوظائف ً ومن ثم تصحيح تلقائي في السوق مع قابلية تغبر سعر الصرف باستمرار.
- كما ان في النظام المرن، بمكن أن تؤثر ضغوط السوق على التغيرات في سعر الصرف, في ھذه الحالة قد یتدخل البنك المركزي عند الضرورة ة لضمان الاستقرار وتجنب المعدلات المفرطة من التضخم وذلك لدعم آلیة ً التصحيح الذاتي"
-ونظام التعويم الحر أو سعر الصرف المرن ,يتطلب على الأقل ان تكون السلع الاستراتيجية والاساسية تنتجها الدولة وتكفى للاستهلاك المحلى ,للحد من الاستيراد من الخارج وبالتالي تحد من احتياجها من العملات الأجنبية , او يكون لديها فائض من العملات الأجنبية ,مثل الدول العربية المصدرة للبترول ومشتقاته.
التعويم المدار
والمقصود بالتعويم المدار هو: قيام السلطات الرسمية المتمثلة فى البنوك المركزية ,بالتحكّم في قيمة العملة بدلاً من السوق (العرض والطلب), عكس التعويم الحر.
وأشارت دراسة (حيدر عباس وآخرون، 2005) الى: ان نظام التعويم المدار يمكن ان يكون في حدود نطاق محدد ,كما ھو الحال في نظام سعر الصرف الثابت ذو النطاقات, حيث يسمح لسعر الصرف بالتقلب فى نطاق محدد ,و ھذا النظام یعتبر أعلى حساسية, لأنه يتأثر بأي تقلبات حادة ً لآلية السوق, وبالتالي يؤدى الى نتائج اقتصادية سلبية .
سعر الصرف الموازي ( السوق السوداء)
هو السوق الذي يعمل بعيدا عن الرقابة الحكومية, وتكون فيه أسعار العملات الأجنبية مرتفعة عن سعرها المعلن من السلطات المعنية , وذلك لندرتها وزيادة الطلب عليها وقلة المعروض منها ,و ينشط السوق الموازي في العملات ( الدولار و اليورو ) على وجه الخصوص ويكون فيها السعر اعلى بكثير من سعر المعلن في البنوك المحلية.
- يتمثل فرق سعر الصرف: فى الفرق بين السعر الرسمي والسعر الموازي , هذا الفرق يؤدى الى وجود مشكلة حقيقية لاقتصاد الدول النامية في ھذه الحالة یضطر البنك المركزي إلى إعادة تقییم السعر الرسمي أو خفض قیمته أو إعادة النظر إلى نطاقات( قیمة العملة ضمن نطاق محدد), بحیث يتقارب السعر الرسمي مع السعر غیر الرسمي، وبالتالي یتوقف نشاط السوق السوداء .
أسباب تنامى السوق الموازي لسعر الصرف
تتعدد الأسباب التي تؤدى الى ظهور السوق السوداء او السوق الموازي لسعر الصرف , ويمكن تلخيصها في الاتي:
- وجود فجوات في النقد الأجنبي والنقد المحلى وكذلك وجود فجوة التجارة الخارجية , والذى تعانى منهم الدول المدينة , حيث نجد ان الطلب المحلى على العملات الأجنبية يفوق المعروض منه مما يسبب اختلال ومعضلة حقيقية فى سوق الصرف الأجنبي ,والتي بدورها تؤدى الى ظهور السوق الموازي (السوق السوداء), وبالتالي تعدد أسعار الصرف وفوضى نقدية غير مسيطر عليها من البنك المركزي , هذا بالإضافة الى الظهور الحتمي للدولرة, والتي يلجئ اليها كبار المدخرين , والمستوردين , والمستثمرين .
- ونجد ان فجوة التجارة الخارجية، تمثل خلل في الجوانب الاقتصادية الحقيقية، وليست النقدية ,. فأغلب الدول المدينة, تكون الواردات اكبر بكثير من الصادرات , وبالتالي هذا الخلل يؤدى الى تنامى واتساع السوق الموازي (السوق السوداء) , وكذلك ظاهرة الدولرة , لتسوية المعاملات الدولية في قطاعي التجارة والتمويل الآجل.
- وتلجئ بعد السلطات المختصة بالسياسات النقدية ,في حالة وجود هذه الفجوات الاقتصادية الى ,جعل بيع العملات الأجنبية وشرائها حكرا على البنوك , وبمبالغ محددة ,وتحديد الحد الأقصى القابل لتحويل من العملة المحلية الى العملة الصعبة, ومن ثم لجوء أصحاب المصالح التجارية مثل المستوردين وغيرهم, ولمن يريد السياحة بالخارج , او من يريد السفر للخارج للدراسة, للجوء الى السوق الموازي ,مما يزيد ويضاعف من المشكلة الاقتصادية للدول.
مصادر سوق الصرف الموازي .
- المغتربين بالخارج
- العمال الأجانب , عادة يتم دفع الرواتب لهم بالعملة الصعبة, ومن ثم يقوم هؤلاء بتحويل جزء من هذه الرواتب لعائلاتهم بالخارج , والجزء الاخر يتم بيعه في السوق الموازي للاستفادة من فرق السعر.
- السائحين من الدول الاجنبية
- بالإضافة لمصادر أخرى لا تقل أهمية بل اخطرها على الاطلاق, مثل التهريب, تجارة السلاح والمخدرات وتجارة الرقيق, وغيرها من مصادر الاقتصاد الأسود
مخاطر أسعار الصرف الموازية
تؤدى اسعار الصرف الموازية الى ارتفاع مستوى عدم اليقين لجميع المشاركين في السوق, سواء مستهلكين او رجال اعمال , او مستثمرين الخارج(الاستثمار الأجنبي) أو الداخل, وترتبط بارتفاع معدلات التضخم، وتعوق تنمية القطاع الخاص,كما أنها تؤدي إلى انخفاض معدلات النمو .
وأسعار الصرف الموازي تظهر دائما في حالات الازمات الاقتصادية , خاصة اذا ترتب عليها نقص العملة (الدولار) , وحينها يعجز البنك المركزي في تدبير احتياجات طالبي العملة الصعبة , ومن هنا تنتعش أسواق الصرف الموازي لتكون بديلا للبنك المركزي
العلاقة بين الفساد المالي وسوق العملة الموازي
يزيد وينمو الفساد المالي في ظل السوق الموازي , والذى يهدد الاقتصاد بمزيد من الانهيار , بل وتأكل قيمة العملة ,مع انتشار الفقر والبطالة , فالسوق الموازي يتعمق وينتشر نتيجة وجود الفساد بكافة انواعه سياسيا واداريا واقتصاديا, وتعود أسعار الصرف الموازية بالنفع على المجموعة التي يمكنها الحصول على النقد الأجنبي بالسعر المدعوم, وهذه المجموعة او الافراد قد يكونوا نافذين فى الدولة ومؤثرين فى اتخاذ القرار سواء كان سياسي او اقتصادي , وبالتالي يوجد ارتباط قوي، إن لم يكن ارتباطاً سببياً، بين وجود أسعار صرف موازية لسعر الصرف والفساد في الدول.
-ان ظاهرة تنامى السوق الموازي او ما يسمى بالسوق السوداء , والدولرة , ماهي الا نتيجة خلل في الاقتصاد الكلى , وان لم يتم الاهتمام والتركيز :على الإنتاج الزراعي والسعي للاكتفاء الذاتي من السلع الاستراتيجية, لتقليل فاتورة الاستيراد منها, ورفع كفاءة الطاقة الإنتاجية من السلع المحلية الصنع , وتعظيم المكون المحلى فيها , وزيادة استثمارات القطاعات مرتفعة القيمة المضافة, مع جذب الاستثمار الأجنبي المباشر والغير مباشر ,لن تنجح الدول النامية والمدينة, فى سياستها التجارية ,و ضبط قطاع التجارة الخارجية، ولا خفض العجز فى الميزان التجاري , وستظل السياسات المالية والنقدية لهذه الدول عبارة عن مسكنات فقط .
الاستقرار الاقتصادي وأسعار الصرف
يرتبط الاستقرار الاقتصادي للدول ,باستقرار أسعار الصرف , فاذا كانت أسعار الصرف مستقرة ومعدلاتها بالمقارنة بالعملات الأخرى في حدود سعر الصرف المثلى اقتصاديا ,فى هذه الحالة يتحقق الاستقرار الاقتصادي , والذى من مظاهره ,جذب الاستثمار الأجنبي سواء المباشر وغير المباشر ,زيادة الاستثمارات المحلية ,زيادة ووفرة للإنتاج وبالتالي زيادة معدلات التصدير , واستقرار معدلات النمو وارتفاعه, والحد من من معدلات التضخم , مما يؤدى الى استقرار أسعار السلع والخدمات بمعدلات مناسبة للمستهلكين,و التوازن في ميزان المدفوعات وتحقيق استقرار للاقتصاد الكلى للدولة, وذلك لأن استقرار أسعار الصرف ما هو الا انعكاس لحالة الاقتصاد للدول.
وجدير بالذكر ان وجود الفساد الإداري والمالي والاقتصادي و السياسي , في هذه الدول يقضى بالأساس على فكرة الإصلاح الاقتصادي ,وستظل التشوهات الاقتصادية والفشل الاقتصادي هو سيد الموقف ,ان لم يتم القضاء على الفساد المتجذر والمنتشر في كافة قطاعات هذه البلدان .
....................................................................................................................................................................
المصادر:
- أنظمة سعر الصرف( صندوق التقد الدولي مايو 2022, سياسات تحرير سعر الصرف فى الدول العربية بين النظرية والتطبيق , اعداد د. وليد احمد طلحة)
- البنك الدولي
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليق