![]() |
مصلحة الضرائب المصرية ما بين الدمج والرقمنة الضريبية |
كتب:د.مصطفى بدوى
تمر مصلحة الضرائب المصرية اليوم بمرحلة هامة في تاريخها , والتحدي الأكبر في هذه المرحلة , هو استكمال عملية الدمج بين المصلحتين(القيمة المضافة والضرائب العامة) و تطبيق الرقمنة الضريبية الشاملة ,والسؤال الذى يطرح نفسة , هل كانت هناك ضرورة ملحة لتطبيق الدمج والرقمنة في وقت واحد , والذى شكل عبئا كبيرا على الإدارة الضريبية سواء من ناحية إدارة التغير وتأهيل الكوادر البشرية , او التكلفة المرتفعة الضاغطة في فترة زمنية قصيرة ,والذى أدى الى: التخبط والعشوائية والتسرع فى اتخاذ القرارات ,او اتخاذ قرارات غير مدروسة متسرعة لا نجاز اهداف ينبغي ان يخطط لها جيدا وفق اطار زمنى كافي وخطط مرحلية , وهذ لم يحدث.
الدمج بين مصلحة الضرائب العامة ومصلحة الضرائب على القيمة المضافة
المقصود بعملية الدمج الشامل بين مصلحتي الضرائب العامة ومصلحة الضرائب على القيمة المضافة, هو دمج ادارى ووظيفي وتشريعي بين المصلحتين ,بهدف خلق كيان واحد قوى يسهم مساهمة فعالة في بناء اقتصاد قوى وتقديم خدمات ضريبية ذات جودة عالية ,للمكلفين والممولين ,ويعتبر الدمج بين المصلحتين من أهم المتطلبات الأساسية لعملية الإصلاح المالي والضريب .
و في سبيل ذلك سعت الدولة الى تطبيق سياسة ضريبية تشجع عجلة الاستثمار وتطوير الإدارة الضريبية, صدر القرار الجمهوري رقم 154 لسنة 2006 بدمج مصلحتي الضرائب العامة والمبيعات في مصلحة واحدة هي مصلحة الضرائب المصرية , مع العلم ان هناك اكثر من 133دولة على مستوى العالم طبقت الدمج بين المصلحتين .
السياق التاريخي لبرنامج الدمج بين المصلحتين
تم تأسيس البرنامج الضريبي المصري لدمج المصلحتين على مجموعة من المبادئ وهى:
1- ستعمل الإدارة بشكل أساسي في الهيكل التنظيمي لمصلحة الضرائب المصرية على أساس وظيفي .
2- تطبيق نظرية التحصيل الحديثة وفق نظرية باريتو ,والتي تقوم على فكرة ان 20% من الممولين بالمجتمع الضريبي سواء في الدول المتقدمة أو النامية , يساهمون بنسبة 80%من إجمالي الحصيلة الضريبية السنوية ,وان 80% من من افراد المجتمع الضريبي يساهمون بنسبة 20% من إجمالي الحصيلة ,وعلى هذا الأساس اعتمد تنظيم المصلحة الجديدة على هيكل تنظيمي جديد للموليين, يتضمن تقسيمهم الى ثلاثة فئات طبقا لرقم الاعمال وهى:
أ -الشريحة الأولى :
- مأمورية كبار الممولين
ب-الشريحة الثانية
-متوسطى الممولين
ج- الشريحة الثالثة
- صغار الممولين
الاطار الزمنى المخطط لتنفيذ برنامج الدمج بين المصلحتين
تم التخطيط الزمنى لتنفيذ خطة الدمج على ثلاثة مراحل وهى :
- المرحلة الأولى: بدأت في أغسطس 2006,بتشكيل اللجان لوضع الخطط التفصيلية لكل الأنشطة الضريبية , وانتهت هذه المرحلة بوضع الخطط بانتهاء سبتمبر 2006.
- المرحلة الثانية :متوسطة المدى وبدأت من سبتمبر 2006 حتى يوليه 2007,وتم الانتهاء من وضع البرامج التنفيذية للخطط النهائية.
- المرحلة الثالثة: مرحلة التنفيذ وتبدأ من أغسطس 2007 الى أغسطس 2009, وهى لمدة سنتين تاليتين للمرحلة الثانية السابق ذكرها , والتي يتم فيها الانتهاء التام من خطة الدمج وانشاء هيكل جديد تحت مسمى مصلحة الضرائب المصرية , وفى خلال هذه المرحلة تم انشاء مركز كبار الممولين , وأربعة مراكز لمتوسطي الممولين على مستوى الجمهورية .
اذا كان من المفروض وفقا للخطة الموضوعة والمشار اليها عاليه أن:
يتم الدمج الكامل بين المصلحتين في أغسطس 2009م , ولكن لأسباب عديدة لا داعى لذكرها, توقفت عملية الدمج وظل الدمج شكلي متمثل في كبار الممولين ومتوسطي الممولين, ثم فجاءة ودون مقدمات , قررت وزارة المالية استكمال عملية الدمج بعد عدة سنوات من التوقف عن إتمام عملية الدمج, دون إعادة لصياغة خطة الدمج, وفقا للمتغيرات الجديدة , والمعطيات التي حدثت عبر سنوات في المصلحتين, منها على سبيل المثال واهمها حجم العمالة في المصلحتين وخاصة مصلحة الضرائب على القيمة المضافة(المبيعات سابقا) ,فمن المعلوم ان الدمج بين المصلحتين يتطلب توزيع عمالة مصلحة الضرائب على المبيعات(القيمة المضافة) ,على مأموريات جديدة, لم تكون على هيكل مصلحة الضرائب على المبيعات(القيمة المضافة) ,وتتمثل هذه المشكلة في انخفاض عدد مأموريات القيمة المضافة ,بالمقارنة بعدد المأموريات بعد الدمج, والذى يتطلب زيادة العمالة الفنية والإدارية وتدريبها .
- فإذا كان لدى مصلحة الضرائب المصرية, عدد 83 مأمورية قيمة مضافة على مستوى الجمهورية, فالمطلوب تسكين العمالة الفنية والإدارية العاملين بهذه المأموريات (قيمة مضافة) على عدد 238 مأمورية مدمجة على مستوى الجمهورية ,فهل عدد العاملين في مأموريات القيمة المضافة وخاصة مأموري الفحص والمراجعين ومديري الفحص ,يكفى لسد احتياجات المأموريات المدمجة ؟ أضف الى ذلك عدم وضع الهيكل الفني والإداري للهيكل المدمج الجديد , الذى يتناسب مع الوظائف الموجودة بالفعل بالمصلحتين قبل الدمج ,وهو ما يسمى بإعادة الهيكلة الإدارية والبشرية ,وكذلك عدم تأهيل الكوادر البشرية لهذا التغيير المؤسسي شبة الكلى.
ان العنصر البشرى هو أساس نجاح لأى تغيير مؤسسى ,والتدريب الذى يتناسب مع أهمية وطبيعة التغيير يعتبر عنصر حاسم وضروري في مراحل أي تغيير مؤسسي, ومصلحة الضرائب المصرية الان, في مرحلة التغير شبة كلى من دمج ورقمنه ضريبية , فلابد ان تستثنى المصلحة من قرار رئيس الوزراء فيما يخص تقليص المصروفات الخاصة بالتدريب.
الرقمنة الضريبية ماهيتها واهميتها
مما لا شك فيه ان التحول الكبير في الاقتصاد العالمي الى الاقتصاد الرقمي , خلق تحديات كبيرة للأدارات الضريبية على مستوى العالم, فالاستثمار الأجنبي المباشر على سبيل المثال كان يتضمن أشياء ملموسة مثل البترول والفحم والبترول وغيرها من الأشياء الملموسة فتفرض عليها الاتاوات او الرسوم ,وليست في شكل مدفوعات او ضرائب مقابل استخدام براءات اختراع او مقابل استخدام الأسماء التجارية ,ولكن بصعود الشركات التكنولوجية الرقمية تغيرت الأوضاع بشكل كبير, فأصبحت الأصول الغير ملموسة مثل براءات الاختراع ,وتطبيقات الهواتف الذكية, وتراخيص الاتصالات وغيرها من التطبيقات ومع الابتكارات التقنية في مجالات الاستدامة والنقل والتنقل والصحة الرقمية والميتافيرس وأكثر من ذلك من اشكال التطور التكنولوجي الذى لا يتوقف ويسير بخطوات سريعة مذهلة , مما يجعل التكنولوجية الرقمية هي المهيمن على أنشطة الاعمال في جميع بلدان العالم دون التواجد المادي والفعلي لهذه الشركات . هذه التغيرات المتسارعة في عالم الرقمنة وضعت الإدارات الضريبية على مستوى العالم في تحدى كبير لمجابهة هذه الطفرة الرهيبة, ,لذا كان لزاما السعي لمواكبة هذا التطور الرقمي عند وضع اطار ضريبي دولي أو محلى .
مصلحة الضرائب المصرية والسعي الى الرقمنة الضريبية الشاملة
تسعى مصلحة الضرائب المصرية, الى بناء نظام رقمى متكامل لرفع كفاءة الإدارة الضريبية، بما يسهم فى تطبيق نظام "موحد" للفحص والإجراءات الضريبية، وإتاحة الخدمات للممولين إلكترونيا دون الحاجة للذهاب إلى المأموريات.
والرقمنة الضريبية ,لكى تسير في الاتجاه الصحيح فلابد من تطوير السياسات الضريبية والإدارة الضريبية , ويتضمن ذلك أيضا تطوير التشريعات والقوانين الضريبية ، وميكنة إجراءات السداد والتحصيل، وتطبيق التحول الرقمي من خلال الإقرارات الضريبية الإلكترونية، وتطوير البنية التحتية ومقار مصلحة الضرائب، وتنمية قدرات العنصر البشري مما يؤدى في النهاية الى تحسين ورفع كفاءة اليات تحصيل الإيرادات الضريبية ,مع خفض التكلفة واختصار الإجراءات الضريبية ,كما ان التحول الرقمي يساهم في رفع كفاءة الحصر والتحصيل الضريبي, ويعمل على اختصار زمن الفحص الضريبي من خلال منظومة «الفاتورة الإلكترونية»
وانجزت مصلحة الضرائب المصرية الكثير مما سبق في سعيها لتحقيق الى الرقمنة الضريبية الشاملة منها:
- تطوير التشريعات والقوانين المتعلقة بالضرائب بما يتناسب مع متطلبات الرقمنة الضريبية الشاملة, كقانون الإجراءات الضريبية الموحد، الذى وضع إطارًا تشريعيًا يُقنن الإجراءات الضريبية الموحدة المميكنة.
- إنشاء البوابة الإلكترونية لمصلحة الضرائب المصرية, من خلال رقم التسجيل الضريبي الموحد , الذي يتضمن كل أنواع الضرائب الخاضع لها الممول، وتقديم جميع نماذج الإقرارات الضريبية ، كل وفقًا لنشاطه، سواءً للضريبة على الدخل، أو ضريبة كسب العمل، أو إقرارات الخصم والتحصيل، أو الضريبة على القيمة المضافة، أو ضريبة الدمغة.
- ميكنة إجراءات السداد والتحصيل
- تنفيذ منظومة الفاتورة الإلكترونية مع السعي لاستكمال منظومة الإيصال الإلكتروني
- العمل على تطوير البنية التحتية ومقار مصلحة الضرائب.
ولكن كل هذه الإنجازات المهمة التي تحققت أو التي مازالت لم تستكمل بعد ,تصبح غير ذو قيمة أو على اقل تقدير لن تحقق الأهداف المرجو منها كما هو متوقع , وذلك لأسباب عديدة منها: على سبيل المثال, وأكثرها أهمية تجاهل الأهمية الكبيرة والحاسمة لأى تغيير مؤسسي الا وهو العنصر البشرى , وتنمية قدراته لتتناسب مع متطلبات الرقمنة الضريبية, للأسف الشديد هناك اهمال وقصور كبير في هذا الجانب, اضف الى ذلك الزام الممولين والمكلفين بأعباء تفوق قدرات معظمهم , فكان يجب التنفيذ على مراحل زمنية على الأقل لتناسب الظروف والمرحلة الاقتصادية التي تمر بها مصر.
مشكلات تطبيق الدمج والرقمنة الضريبية معا, دون تخطيط زمنى مناسب
مما لا شك فيه أن سرعة وتيرة إتمام عملية الدمج والرقمنة الضريبية دون مراعاة الاستراتيجيات الإدارية المتعارف عليها في علم الإدارة, مع عدم مشاركة جميع مستويات المنظمة في التغييرات التي تم تنفيذها او التي لم يتم تنفيذها (إدارة التغيير المؤسسي) سيؤدى الى:
- عدم التأهيل المناسب للكوادر الفنية والإدارية لمرحلة تغيير كلى (دمج ورقمنه ضريبية).
- عدم استقرار التشريع الضريبي وكثرة التغيرات والتعديلات في النصوص الضريبية واللوائح والتعليمات المرتبطة بها.
- زيادة حالات عدم الالتزام الطوعي , وزيادة حالات التهرب والتجنب الضريبي, لضعف الرقابة الضريبية, لعدم استقرار الإدارة الضريبية.
- عدم اليقين في المستقبل الوظيفي والمالي لدى العاملين بالمصلحة .
- تشتت المجتمع الضريبية وعدم الرضا عن الخدمات الضريبية المقدمة من الإدارة الضريبية ,وتحمله أعباء مادية ونفسية بصورة مستمرة دون اعطاءه فرصة حتى لالتقاط الانفاس.
كل ما سبق سيؤدى حتما الى التأثير السلبى على الإيرادات الضريبية الواجب تحقيقها, مقارنة بظروف إدارية وتنظيمية مستقرة.
وأخيرا يجب على القائمين على مشروع تطوير مصلحة الضرائب المصرية, و لتحقيق اهداف الدمج والرقمنة الضريبية المنشودة السعي الى:
- - العمل الجاد والسريع على حل المشكلات الإدارية والتنظيمية والفنية ,قبل إتمام عملية الدمج والرقمنة,حتى لا تتراكم فيصعب حلها في المستقبل
- - سد العجز البشرى فى العمالة الفنية والإدارية , بما تتناسب مع اتساع وحجم المأموريات المدمجة
- - تنمية القدرات البشرية من الناحية التشريعية والفنية والتكنولوجية ,بما يتناسب مع الغرض من دمج المصلحتين, ومتطلبات الرقمنة الضريبية ,وهذا يتطلب تدريب موسع من الناحية النظرية والعملية .
ولا يجوز في هذه الحالة ضغط العمليات التدريبية (فيما يخص الدمج والرقمنة) بدواعي خفض التكلفة , انى اتعجب كيف تنفق المليارات على مشروع الرقمنة الضريبية وتطوير المقار وبيئة العمل, ثم نأتي على العنصر الحاكم لنجاح أو فشل مشروع يعتبر من اكبر مشاريع التطوير الضريبي في العصر الحديث في مصر, الا وهو العنصر البشرى ونتحجج بعنصر الوقت والتكلفة !!
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليق