![]() |
الافراط فى اصدار القوانين الضريبية |
كتب :د.مصطفى بدوى
القوانين الضريبية من الأدوات الأساسية التي تستخدمها الدول لتنظيم العلاقة المالية بين الدولة والمكلفين، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير الموارد اللازمة لتمويل النفقات العامة, إلا أن الإفراط في إصدار هذه القوانين، خاصة في فترات زمنية قصيرة، يثير العديد من المشاكل التي تؤثر سلبًا على الاستقرار الاقتصادي والبيئة الاستثماريةو ارتباك الادارة الضريبية ,حيث أصدرت مصلحة الضرائب المصرية بين عامي 2016 ومارس 2025، العديد من القوانين المتعلقة بالضرائب. وفقًا للمعلومات المتاحة، تم إصدار 28 قانونًا يتعلق بالضريبة على الدخل، و11 قانونًا يتعلق بالضريبة على القيمة المضافة خلال هذه الفترة.
فالتغيير المتكرر والمتسارع في التشريعات الضريبية يؤدي إلى حالة من الارتباك لدى المكلفين، ويُربك خططهم المالية، كما يُصعّب من مهمة المحاسبين والمستشارين القانونيين في مواكبة هذه التعديلات المستمرة.
الآثار السلبية المترتبة على الافراط فى اصدار القوانين الضريبية
ومن أبرز الآثار السلبية لهذا النهج، ضعف الثقة بين الدولة والقطاع الخاص، وزيادة معدلات التهرب الضريبي، وتآكل القاعدة الضريبية، إلى جانب تعقيد الإجراءات الإدارية، مما يُثقل كاهل الجهاز الضريبى.
لذا، فإن مناقشة هذا الموضوع باتت ضرورية لتسليط الضوء على التحديات التي يفرضها كثرة إصدار القوانين الضريبية، ولبحث سبل تحقيق توازن تشريعي يحفظ استقرار النظام الضريبي ويعزز من كفاءته وعدالته
اثر ذلك على الواقع الاقتصادى المصري:
شهدت مصر في السنوات الأخيرة نشاطًا مكثفًا في إصدار وتعديل القوانين واللوائح الضريبية، في إطار سعي الدولة لزيادة الإيرادات العامة وتقليص عجز الموازنة. فعلى سبيل المثال، تم تعديل قانون الضريبة على الدخل أكثر من مرة خلال فترة قصيرة، وتم إدخال نظام الفاتورة الإلكترونية، وتعديلات على قانون القيمة المضافة، بالإضافة إلى إقرار ضرائب جديدة مثل الضريبة على الإعلانات الإلكترونية والتجارة الرقمية.
ورغم أن هذه السياسات تهدف إلى تطوير المنظومة الضريبية وتوسيع القاعدة الضريبية، فإن وتيرة التعديلات السريعة وعدم منح المجتمع الضريبي وقتًا كافيًا للاستيعاب والتكيف، قد أدى إلى ارتباك في السوق، لا سيما في قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تفتقر إلى القدرة على التكيّف مع التعقيد التشريعي السريع. كما لاحظ خبراء الاقتصاد تزايد شكاوى الممولين من عدم وضوح بعض القوانين، وصعوبة التطبيق العملي لها، مما زاد من حالات النزاع الضريبي وأعباء التقاضي.
وقد أشار تقرير البنك الدولي إلى أن أحد العوامل المؤثرة سلبًا في بيئة الأعمال بمصر هو "عدم الاستقرار التشريعي"، خاصة في المجال الضريبي، حيث أن كثرة القوانين والتعديلات تعيق قدرة المستثمرين على التخطيط طويل الأجل وتزيد من درجة المخاطرة الاستثمارية وعدم اليقين الاستثمارى, كما أن تعدد التعديلات دون تقييم كافٍ لأثرها الاقتصادي قد يؤدي إلى نتائج عكسية، منها زيادة التهرب الضريبي أو عزوف بعض المستثمرين عن التوسع داخل السوق المصري
المشكلات المترتبة على كثرة إصدار القوانين الضريبية على فترات زمنية قصيرة
كثرة إصدار القوانين الضريبية في وقت زمني قصير يمكن أن يؤدي إلى العديد من المشكلات منها:
1.عدم الاستقرار التشريعي:
يؤدي التغيير المتكرر في القوانين الضريبية إلى عدم استقرار النظام الضريبي، مما يربك الأفراد والشركات عند التخطيط المالي واتخاذ القرارات الاستثمارية.
2.زيادة الأعباء الإدارية:
يتطلب تعديل القوانين المتكرر وقتًا ومجهودًا كبيرًا من الإدارات الضريبية والمحاسبين والشركات لضمان الامتثال للوائح الجديدة، مما يزيد من التكاليف الإدارية.
3.التأثير السلبي على الاستثمار:
قد يتردد المستثمرون في ضخ أموالهم في بيئة ضريبية غير مستقرة، حيث يصعب التنبؤ بالتكاليف الضريبية المستقبلية, ويسبب حالة من عدم اليقين
4.إرباك الممولين والمكلفين بالضريبة:
التغيرات المستمرة قد تجعل من الصعب على الأفراد والشركات فهم القوانين الجديدة، مما يؤدي إلى أخطاء غير مقصودة أو حتى تهرب ضريبي بسبب الالتباس.
5.ضعف ثقة المواطنين في النظام الضريبي:
عندما تتغير القوانين بسرعة ودون دراسة كافية، قد يشعر المواطنون بأن النظام الضريبي غير عادل أو غير متزن، مما يقلل من الامتثال الطوعي للضرائب.
6.احتمالية التشريع غير المدروس بعناية:
سرعة إصدار القوانين قد تؤدي إلى وجود ثغرات قانونية أو أخطاء في الصياغة، ما قد يستلزم تعديلات لاحقة تزيد من التعقيد القانوني.
7.زيادة النزاعات الضريبية:
مع كثرة التعديلات، قد تحدث تفسيرات مختلفة للقوانين الجديدة، مما يزيد من النزاعات بين الممولين ومصلحة الضرائب ويثقل كاهل القضاء الإداري.
لذلك، من الأفضل أن يكون هناك استقرار تشريعي مع دراسات معمقة قبل إصدار أي تعديلات ضريبية لضمان تحقيق العدالة والكفاءة الاقتصادية.
الخاتمة والتوصيات
في ضوء ما سبق، يتضح أن الإفراط في إصدار وتعديل القوانين الضريبية خلال فترات زمنية قصيرة يُشكل تحديًا كبيرًا أمام استقرار النظام الضريبي في مصر، ويؤثر سلبًا على مناخ الاستثمار وثقة المجتمع الضريبي بالدولة. وعلى الرغم من أهمية تحديث المنظومة الضريبية لمواكبة التطورات الاقتصادية والتقنية، إلا أن هذا التحديث يجب أن يتم وفق رؤية استراتيجية متكاملة تراعي الاستقرار والتدرج والتشاور مع الأطراف المعنية.
ومن هنا، يمكن تقديم التوصيات التالية:
1.وضع خطة إصلاح ضريبي شاملة طويلة الأجل، تتسم بالاتساق والوضوح، وتُعلن بشفافية لتكون مرجعًا للمستثمرين والممولين.
2.تفعيل الحوار المجتمعي قبل إصدار أو تعديل أي تشريع ضريبي، بما يضمن مشاركة مجتمع الأعمال والخبراء في صياغة القوانين.
3.منح فترات انتقالية كافية لتطبيق القوانين الجديدة، مع توفير برامج توعية وتدريب للممولين والمحاسبين.
4.تقييم الأثر الاقتصادي والاجتماعي لكل تعديل ضريبي قبل إقراره، لتفادي النتائج غير المتوقعة أو السلبية.
5.الاعتماد على الرقمنة والتكنولوجيا كأداة لتبسيط الإجراءات الضريبية دون الحاجة لتعديلات تشريعية متكررة.
إن تحقيق التوازن بين تطوير النظام الضريبي والحفاظ على استقراره هو مفتاح نجاح أي سياسة مالية تسعى لتحقيق العدالة وتحفيز النمو الاقتصادي في آنٍ واحد
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليق