بذور الفساد في المجتمع, المفسد والفاسد

القائمة الرئيسية

الصفحات

بذور الفساد في المجتمع, المفسد والفاسد

 

الفساد
الفساد

كتب : د. مصطفى بدوى

حكى لي أخي عن صديق له

 أن صديقه هذا  وزميل له  جاءهم  قرار التعين  نفس المكان والتاريخ في أحد الإدارات الهامة بالجهاز الإداري للدولة , وبعد انقضاء مدة التدريب اللازمة , تم تكليفهم في مهمة للتفتيش بأحد الشركات , وكانت هذه أول مهمة لهم في التاريخ الوظيفي, وبعد إنجاز المهمة على أكمل وجه وتطبيق صحيح القانون وبما تفتضيه الوظيفة من أمانة وشفافية , فوجئوا بصاحب الشركة يعرض عليهم مبلغ كبير من المال , قال له صديق أخى لماذا تعرض علينا رشوة ونحن ما قمنا إلا بمهمتنا المكلفين بها , قال له صاحب الشركة , أن هذه ليست برشوة واعتبروها هدية بسيطة نظير المجهود الذى بذلتموه, عارض صديق أخى بشدة واعتبرها رشوة مقنعة , بينما زميله هذا قبلها واعتبرها مكافأة نظير الجهد الذى بذله ,وطبعا زميل صديق أخي هذا كما يحكى صديق أخى , كلما مر الوقت زادت خبرته وزادت شهوته للمال, والاهم أنه أصبح الآن صاحب اعلى مركز قيادي في هذه المؤسسة الهامة , بينما صديق أخي مازال يكافح لأخذ حقه في الترقية ونيل حقه في منصب قيادي مناسب طبقا للوائح والقوانين الإدارية المعمول بها.  

 وفى واقعة أخرى

 كنت أجلس وصديق لي على مقهى , وبينما نحن جالسان  جاء رجل متسول من محترفي التسول ,فأعطاه صديقي ما تيسر له , ثم أتى طفل لا يتعدى عمره عشرة أعوام يعرض بضاعة له على رواد المقهى  بطريقة أداء مبهرة وجذابة , ثم أتى إلينا يعرض ما يحمله من سلع علينا , طريقة أدائه مع صغر سنه جذبتنا لأدائه وأعجبنا به, مما جعل صديقي يخرج مبلغ من المال على سبيل الصدقة والتشجيع دون أن يأخذ مقابلها سلعة , وهنا كانت المفاجأة رفض الطفل بكل اصرار ان يأخذ أى مبلغ دون ان يقابله سلعة.

من المفسد ومن الفاسد؟

  من هذه القصص الواقعية يتضح ان هناك مفسد قد أكون أنا أو أنت دون قصد , وهناك فاسد عنده استعداد للفساد  أو تم إفساده عن عمد , وفاسد  هو في الأصل ذو طبيعة غير سوية 

من خلال الواقعة الأولى 

نلاحظ نوعين من الفساد : فساد إداري وفساد مالي , الفساد الإداري في هذه الواقعة يتمثل في: أن زميل صديق أخي الفاسد قد تولي أعلى منصب قيادي في المؤسسة بالرغم من كونه فاسد , وهذا دلالة على عمق الفساد الإداري بالمؤسسة لأن الذى ولاه هذا المنصب الغير مستحق هو فاسد استفاد من فساد هذا الشخص وسيستفيد من فساده مستقبلا , وبهذا تتكون عصابات فاسدة منظمة داخل مؤسسات الجهاز الإداري للدولة , وبالتالي الفساد الإداري هو أخطر أنواع الفساد في أى دولة ,ويتضح من هذه الواقعة أيضا أن المفسد كان صاحب الشركة الذى أصر على إعطاء الرشوة المقنعة.

 أما القصص التالية للقصة الأولى

, كانوا أصدقائي دون قصد مفسدين ,وللأسف يعتقدوا انهم فاعلين للخير, ولم يتخيلوا أنهم بفعلتهم هذه قد افسدوا وشجعوا على نمو الفساد وانتشاره بين أفراد المجتمع, تخيل أن هؤلاء المتسولين إذا لم يحصلوا على  تلك المساعدات المالية من هؤلاء المفسدين دون قصد, حتما سيبحثون على عمل يتكسبون منه , وبالتالي نفعوا أنفسهم ومجتمعهم .

نرجع لقصة الطفل الذى رفض أخذ المال دون مقابل 

, في حينها قلت لصديقي اشترى منه حتى لو كنت غير محتاج لهذه السلعة , وهنا قد حققت شيئين : الأول: اشعرته بأهمية  وقيمة ما يقوم به من عمل ,  وهذا بمثابة تشجيع له على بذل مزيد من الجهد والعمل والابتكار فيه, وفى المستقبل قد يكون رجل أعمال أو تاجر كبير مما ينعكس ذلك إيجابيا على المجتمع والدولة التي يعيش فيها .
الثاني : ساعدته على احترام ذاته ورفعت من شأن كرامته, ونفعت المجتمع بفرد قد يكون له شأن كبير في المستقبل .
بذور الفساد هناك من يزرعها و هناك من يرعاها والذى يحصدها هم المتآمرين على المجتمع والدولة , ويصبح هؤلاء الفاسدين أداة في يد الطغاة والفاسدين الكبار , وفى نهاية الأمر من يتلظى بنار الفساد هو المجتمع و انهيار الدول سببه الرئيسي هو الفساد .

صناعة الفساد : 

نعم هناك من يقوم متعمدا بصناعة الفساد حتى تكون بيئة مناسبة له ومن خلال هذه البيئة ينمو ويسيطر وينفذ ما يخطط له بكل سهولة ويسر .
فبعض المسؤولين قد يكونوا من صانعي الفساد , عندما يسخّرون و يحتكرون وضع القوانين وإصدار قرارات تصب في مصالحهم، فتنشأ مجموعات مصالح تحيط بها عدد كبير من المنتفعين الفاسدين. 
فنشر  المخدرات هي صناعة للفساد في المجتمع  , فتنتشر بسببها  جرائم العنف, والوهن المجتمعي و تشكل تهديدا خطيرا لصحة العامة , مما يساهم في انهيار الاقتصاد وإهدار للموارد البشرية  ,مما يهدد المؤسسات والدول للخطر
و يقول ابن خلدون "إن انتشار الفساد يدفع بعامة الشعب إلى مهاوي الفقر والعجز عن تأمين مقتضيات العيش، وهو بداية شرخ يؤدي إلى انهيار الحضارات والأمم" وأيضا  يقول ابن خلدون " إن المجتمعات لا يصيبها الترهل إلا عندما ينخرها الفساد "كما عرف البنك الدولي الفساد بأنه شكل من أشكال خيانة الأمانة.
والرسول ﷺ يقول: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان " والنفاق صفة أصيلة للفاسدين والمفسدين في الأرض.

وعليه نستخلص مما سبق : 

أن الواجب علينا كأفراد أسوياء,  أن نكون على إدراك ووعى بأهمية محاربة الفساد , وأن نراقب تصرفاتنا , بدقة حتى لا نكون دون أن ندرى فاسدين أو مفسدين , وعلى الدولة والمؤسسات المعنية أن تقوم بواجبها المنوط بها من حماية المجتمع والدولة من هؤلاء الفاسدين والمفسدين , من خلال سن القوانين اللازمة للحد من هذه الظاهرة الخطيرة , ونشر الوعى من خلال الإعلام والمؤسسات التعليمية ,مع التأكيد أن الوعى بهذه الظاهرة السرطانية يبدأ من الأسرة النواة.
وكما قال ابن خلدون، أن محاربة الفساد محاربة جدية هو السبيل الوحيد لإنقاذ الدول والمجتمعات والحضارات من التفكك والانهيار.  
كما اوضح سبحانه وتعالى , أنه لا يحب الفساد ولا المفسدين، يقول عز وجل: "والله لا يحب الفساد".







تعليقات

التنقل السريع