 |
ضرائب الصحة العامة |
كتب: د. مصطفى بدوى
توفير الموارد المالية للدولة وتغطية نفقاتها ليست هو الهدف الوحيد من فرض الضرائب , ولكن هناك اهداف أخرى على قدر كبير من الأهمية ,منها اقتصاديا مثل الحد من التضخم من خلال التأثير على العرض والطلب , ودعم الصناعات المحلية والمحافظة عليها مقابل الصناعات الأجنبية من خلال فرض الضرائب والجمارك على التجارة الدولية (الاستيراد) وتخفيض او الغاء الضرائب على الصادرات من السلع والخدمات من اجل تعزيز قدرتها على المنافسة في الأسواق العالمية
ومن هذه الأهداف أيضا تحقيق العدالة في توزيع الثروة والدخل على افراد المجتمع من خلال استخدام جزء من هذه الإيرادات في توفير الخدمات الاجتماعية للفئات الاجتماعية الأكثر احتياجا, ومن الأهداف الهامة أيضا حماية المجتمع صحيا والحد من الممارسات الضارة صحيا من خلال فرض ضرائب مرتفعة على منتجات التبغ والمشروبات الروحية المشروبات المُحلّاة بالسكر.
فكيف يمكن ان تساهم الضرائب في نمو الإيرادات الضريبية و في نفس الوقت المحافظة على الصحة العامة للمجتمع؟
ضرائب الصحة العامة
ضرائب الصحة العامة هي ضرائب على الإنتاج المطبقة على منتجات مثل التبغ(السجاير -المعسل) والكحول والمشروبات المحلاة بالسكر(مثل المياه الغازية) التي تتسبب في مشاكل صحية وفي إلحاق الضرر بالأفراد والمجتمع ككل. وتشكل هذه الضرائب إحدى أكثر الطرق فعالية من حيث التكلفة للحد من استهلاك المنتجات غير الصحية وإنقاذ الأرواح, وتحسين الصحة العامة , وفى نفس الوقت زيادة الإيرادات الحكومية وتغطية نفقاتهاالضرورية.
ويتسبّب تعاطي الكحول في وقوع 3,3 مليون حالة وفاة كل عام على الصعيد العالمي، وهو ما يمثل 5,3٪ من جميع الوفيات,ويتسبب تعاطي الكحول في الوفيات والعجز في مرحلة مبكرة نسبياً من العمر. ويعزى نحو 13,5% من إجمالي الوفيات في الفئة العمرية التي يتراوح سنها بين 20 و39 عاماً إلى الكحول,وبعيداً عن العواقب الصحية، فإن تعاطي الكحول يسفر عن خسائر اجتماعية واقتصادية كبيرة للأفراد والمجتمع ككل,وهنالك علاقة سببية بين تعاطي الكحول على نحو ضار، وكثير من الاضطرابات النفسية والسلوكية، التى تنعكس اجتماعيا بممارسات ضارة تؤثر على البنية المجتمعية للدول.
ومن هنا فأن الضرائب المرتفعة على السلع الضارة للصحة العامة يمكن ان تكون أحد الحلول الفعالة التي يمكن تؤدى الى التخفيض من استهلاك هذه السلع, وبالتالي تخفيض الاثار الضارة الناتجة عن استهلالك هذه السلع.
الضرائب على المشروبات المُحلّاة بالسكر والتبغ
وفقا لتقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية , أنه يمكن أن يؤدى فرض الضرائب على المشروبات المُحلّاة بالسكر إلى الحد من استهلاكها وتقليل معدلات السمنة، وكذلك معدلات الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني وتسوس الأسنان, وغيرها من الامراض المرتبطة بزيادة الوزن .
كما أن التقليل من استهلاك هذه المشروبات المُحلّاة بالسكر يعني تقليل استهلاك "السكريات الحرة" والسعرات الحرارية إجمالاً، وتحسين التغذية وتقليل عدد الأناس الذين يعانون من زيادة الوزن والسمنة ومرض السكري وتسوس الأسنان.
"ويشير تعبير السكريات الحرة إلى السكريات الأحادية (مثل الجلوكوز والفْرَكْتُوز) والسكريات الثنائية (مثل السكروز أو سكر المائدة) المضافة إلى الأطعمة والمشروبات المنتج أو الطاهي أو المستهلك، والسكريات الموجودة طبيعياً في العسل والشراب وعصائر الفواكه العادية وتلك المركَّزة.
كما أكدت دراسة نشرت في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية، أن النساء اللائي يستهلكن المشروبات المحلاة بالسكر يوميًا أكثر عرضة للإصابة بسرطان الكبد والوفاة بأمراض الكبد المزمنة، وشملت الدراسة التي قام بها باحثون من مستشفى بريجهام بالولايات المتحدة على أكثر من 98 ألف امرأة بعد سن اليأس، وفقًا لما نشره موقع "hindustantimes",ووجدت الدراسة أن 6.8% من النساء اللائي يستهلكن واحدًا أو أكثر من المشروبات المحلاة بالسكر يوميًا كان لديهن خطر أعلى بنسبة 85% للإصابة بسرطان الكبد و68% لخطر الوفاة بأمراض الكبد المزمنة .
- ووفقًا لأرقام منظمة الصحة العالمية، يقتل التبغ أكثر من 8 ملايين شخص كل عام، في حين أن أكثر من 7 ملايين من هذه الوفيات ناتجة عن تعاطي التبغ المباشر.
إذ يؤدي استهلاك التبغ والكحول والمشروبات المحلاة بالسكر إلى أكثر من 11 مليون وفاة مبكرة سنويا (حوالي 20% من جميع الوفيات في العالم) . وفي البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، تكون للمستويات المرتفعة والمتزايدة لاستهلاك هذه المنتجات آثار وخيمة على نواتج رأس المال البشري والإنتاجية الاقتصادية. ويمكن أن يؤدي رفع الضرائب على التبغ والكحول والمشروبات المحلاة بالسكر إلى تعبئة إيرادات إضافية كبيرة، مما يساعد الحكومات على تدبير الموارد التي تحتاج إليها لزيادة الإنفاق المرتبط بالتنمية ,كما ان السياسات الضريبية التي تؤدى إلى زيادة نسبتها 20% على الأقل في سعر تجزئة منتجات المشروبات المُحلّاة بالسكر, يمكن أن تؤدى إلى الحد من استهلاكها نسبياً وفقاً للتقرير بعنوان "السياسات الضريبية المتعلقة بالنظم الغذائية والوقاية من الأمراض غير السارية".
العوامل التي تؤدى الى نجاح ضرائب الصحة العامة (1)
إن نجاح ضرائب الصحة العامة يتوقف على أمور عديدة منها كيفية تصميمها وتطبيقها, وأيضا على البيئة التي تعمل فيها, فضرائب الصحة العامة، هي جزء من النظام الضريبي الأكبر في أي دولة.
ولهذا السبب، يمكن أن تلعب البيئة السليمة للاقتصاد الكلي والمالية العامة دورا كبيرا في مدى تحقيق ا لغرض المقصود منها, ويجب تصميم ضرائب الصحة العامة لتحقيق أقصى قدر من الفعالية فعلى سبيل المثال، بالنسبة لمعظم المنتجات غير الصحية، تؤدي الضرائب المحددة (المستندة إلى الحجم) إلى نواتج صحية أفضل من الضرائب على أساس القيمة لأنها تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وبالتالي انخفاض الاستهلاك, كما تؤدي إلى انخفاض الاختلافات في الأسعار، مما يزيد من الكفاءة الاقتصادية, ومن الأسهل أيضا تحصيل ضرائب محددة، مما يحسن من الامتثال الضريبي.
تخفيض الاستهلاك من خلال فرض ضرائب محددة تعتمد على الحجم او المحتوى
ويمكن أيضا هيكلة ضرائب محددة بشكل مختلف, فعلى سبيل المثال، يمكن أن تستند الضرائب المحددة على المشروبات إلى حجمها أو محتواها من الكحول/السكر. وتحديد أي مكون من مكونات المنتج يخضع للضريبة هو جزء من تحديد "وعاء" الضريبة. ويمكن أن يكون لهذا القرار اثار بعيدة المدى وعندما يستخدم محتوى الكحول أو السكر كأساس لفرض الضرائب، يمكن أن تتغير أنماط الإنتاج والاستهلاك إلى الأفضل: فالمنتجون سيكون لديهم حوافز أكبر لإعادة تكوين منتجاتهم وزيادة التركيز صناعيا وتسويقيا على المنتجات الأقل ضررا, أو حتى نقل تكلفة زيادة الضرائب إلى المستهلكين، مما يخفض الاستهلاك.
وفي جميع الأحوال، سينخفض استهلاك الكحول أو السكر, ومن ناحية أخرى، فإن الضرائب على الحجم ترفع أسعار جميع المنتجات ومن ثم تخفض الاستهلاك الكلي. ومن الشائع فرض ضرائب محددة على محتوى الكحول، لكن فرضها على المشروبات المحلاة بالسكر حديث العهد نوعا ما.
و تُظهر الشواهد أن استخدام محتوى السكر كأساس للضرائب يمكن أن يكون فعالا في تحفيز المنتجين على إعادة تصنيع وخفض المحتوى من السكر , ولكن في أوقات ارتفاع مستويات معدلات التضخم، يجب أن يحرص واضعو السياسات على ضمان ألا يؤدي التضخم إلى تآكل فعالية هذه الضرائب, ومن الواجب مراجعة الضرائب المفروضة على المنتجات غير الصحية بصورة دورية لمراعاة تضخم أسعار المستهلكين.
ضرائب الصحة العامة واهميتها المتزايدة في السياسات الضريبية
إن استخدام ضرائب الإنتاج لتحسين الصحة العامة, ليس بالأمر الجديد فغالبا ما يتم استخدام هذا الأسلوب للحد من استهلاك التبغ.
على سبيل المثال. قد أسهم البنك الدولي والشركاء الآخرون إسهاما كبيرا في هذا المجال على مدى السنوات السابقة, وساهم فريق من البنك الدولي مؤخرا في كتاب جديد مهم صادر عن منظمة الصحة العالمية ,وكلية إمبريال كوليدج "لندن" بعنوان ضرائب الصحة العامة: السياسات والممارسات. ويشير الكتاب إلى أن ضرائب الصحة العامة سيكون لها دور متزايد الأهمية في الأنظمة الضريبية ,و لكن كيفية تصميمها وتنفيذها وإدارتها ومتابعتها ستحدث أثرا كبيرا في كيفية تحقيقها لنواتج صحية وإيرادات ضريبية.
ويمكن ان يحقق مسار العمل في إطار البرنامج العالمي للضرائب التابع لقطاع الممارسات العالمية للاقتصاد الكلي والتجارة والاستثمار، الذي أنشئ حديثا بشأن ضرائب الصحة العامة ، بالتعاون مع قطاعات الممارسات العالمية للصحة والفقر والحوكمة، الى إصلاحات ضرائب الصحة العامة في مختلف أنحاء العالم.(1) مدونات البنك الدولي " مارسيلو استيفاو"
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليق