![]() |
التسعير التحويلي والمخاطر الضريبية |
كتب: د. مصطفى بدوى
مما لاشك فيه ان عصر العولمة شجع الشركات متعددة الجنسيات على العمل في العديد من البلدان التي لديها معدلات ضريبية مختلفة بالإضافة الى القوانين التي تعمل على احداث مرونة ضريبية تتيح لها الاختيار الأنسب ربحية, وتجنب معدلات الضرائب المرتفعة لكل شركة في هذه البلدان , وبالتالي تنشأ المخاطر الضريبية, وذلك من خلال خطط التسعير التحويلي ,التي تحدث بين الشركات متعددة الجنسيات في البلدان المختلفة, مما يزيد العبء على الإدارة الضريبية , فيما يتعلق بمحاولات التهرب الضريبي وتجنب الضريبة في هذه البلدان.
زادت أهمية التسعير التحويلي الدولي (ITP) بالتوازي مع عولمة الأعمال والأهمية المتزايدة للتجارة الدولية والتسويق العالمي, خلال التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ولذا نشرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) والعديد من البلدان المختلفة سلسلة من المبادئ التوجيهية والقواعد واللوائح الخاصة بالتسعير التحويلي. وقد أدت هذه التطورات إلى زيادة مكانة ITP وزيادة الضغوط المفروضة على الشركات المتعددة الجنسيات للتأكد من أن معاملاتها داخل المجموعة تعكس السعر التجاري طبقا للمجريات الطبيعية للأمور.
ويعد فهم تسعير التحويل أمراً بالغ الأهمية للشركات متعددة الجنسيات التي تعمل في ولايات قضائية متعددة يشير أسعار التحويل إلى السعر الذي يتم تحديده للسلع والخدمات التي يتم نقلها بين الكيانات المرتبطة داخل نفس الشركة, كما يلعب دوراً حاسماً في تحديد الدخل الخاضع للضريبة لكل كيان، وبالتالي مبلغ الضريبة التي يجب دفعها في كل بلد, ومجال تسعير التحويل معقداً وصعباً، لعديد من العوامل المختلفة التي يجب مراعاتها., عند تطبيق التسعير التحويلي , لاتخاذ قرارات صائبة تتوافق مع قوانين الضرائب المحلية, ومصالح الشركات في نفس الوقت.
تعريفات للتسعير التحويلي
تتعدد تعريفات التسعير التحويلي ولكن يمكن تلخيصها في الاتي :
- يشير التسعير التحويلي إلى سياسات وممارسات التسعير التي يتم وضعها عند تحميل السلع المادية والممتلكات غير الملموسة والخدمات بين وحدات الأعمال داخل المجموعة, وينبغي أن تتسم الأسعار المحددة لعمليات التحويل عبر الحدود بمبدأ "الاستقلالية"و يتطلب مبدأ الاستقلالية أن تكون أسعار التحويل داخل المجموعة معادلة لتلك الاسعارالتي كان من الممكن أن تتم بين أشخاص مستقلين يتعاملون على أساس تجاري (العرض والطلب )بحت في ظروف مماثلة .
- يسمح السعر التحويلي بوضع أسعار للبضائع والخدمات المتبادلة بين الشركات التابعة والفرعية. قد يؤدي السعر التحويلي إلى وفورات ضريبية بالنسبة للشركات، و قد تعترض قانونًا الهيئات الضريبية على طريقة التسعير لتلك الشركات.
- إن السعر التحويلي (Transfer Pricing) هو ممارسة محاسبية وضريبية تتيح تسعير المعاملات داخليًا، سواء داخل الشركات نفسها أو بين الشركات التابعة التي تعمل تحت سيطرة مشتركة أو ملكية مشتركة لشركة أكبر, تمتد ممارسة السعر التحويلي إلى المعاملات العابرة للحدود وكذلك المعاملات المحلية.
- يُستخدَم السعر التحويلي في تحديد التكلفة التي يجب فرضها على قسم آخر أو شركة تابعة مقابل الخدمات المُقدَمة لهم, وتعكس الأسعار التحويلية عادةً السعر السوقي الحالي لتلك السلعة أو الخدمة، كما يمكن تطبيق الأسعار التحويلية أيضًا على الملكية الفكرية مثل البحوث براءات الاختراع وعوائد الملكية.
- يُعرَّف "تسعير المعاملات" بأنه التسعير للمعاملات التي تتم بين الأشخاص المرتبطين أو الأشخاص الخاضعين لسيطرة مشتركة، وتكمن أهمية وضع مبادئ لتسعير المعاملات في الحرص على الالتزام بمبدأ السعر المحايد، وهو أن تسعر المعاملات بين الأشخاص المرتبطين أو الأشخاص الخاضعين لسيطرة مشتركة كما لو أنها كانت معاملات تمت بين أطراف مستقلين.
- كما ان أسعار التحويل هي الطريقة المستخدمة لتحديد سعر السلع أو الخدمات التي يتم نقلها بين الشركات التابعة لشركة متعددة الجنسيات,و من الضروري ضمان تحديد الأسعار من خلال مبدأ طول الذراع "هو مبدأ تقييم يُطبق عادةً على الحركات التجارية والمالية بين الشركات المعنية، ويُقصد به تقدير قيمة الحركات المالية كما لو أنها نُفذت بين أطراف مستقلة، وفيه يتخذ كل طرف من هذه الأطراف الإجراء الذي يحقق مصلحته الخاصة" والتى تعكس القيمة السوقية العادلة للسلع أو الخدمات التي يتم نقلها.
ومن هذا المنطلق، يجب اعتماد مبدأ السعر المحايد كأساس لتسعير جميع المعاملات بين الأشخاص المرتبطين، وتعرِّف تعليمات تسعير المعاملات مبدأ السعر المحايد بأنه الخصائص والشروط المالية الخاصة بالمعاملات التي تبنى على الاعتبارات التي تأخذ في الحسبان من قبل أشخاص غير مرتبطين لتقييم الجانب الاقتصادي للمعاملة.
أهمية التسعير التحويلي
يعد تحديد أسعار التحويل هام وضروري لضمان الامتثال للقوانين الضريبية, وذلك من خلال اعتماد ممارسات تسعير تحويلية سليمة، كما انه يمكن للشركات تخفيض المخاطر وتعزيز عملياتها الدولية.
- أهمية تسعير التحويل في تجريد الأرباح:
يلعب أسعار التحويل دوراً مهماً في تجريد الأرباح, يشير تسعير التحويل إلى الأسعار التي حددتها الشركات متعددة الجنسيات للمعاملات عبر الحدود بين الشركات التابعة لها و يمكن أن يكون السعر التحويلي لعنصر ما أعلى أو أقل من قيمته السوقية العادلة، مما يخلق فرصاً للشركات متعددة الجنسيات لنقل الأرباح من البلدان المرتفعة الضرائب إلى البلدان المنخفضة الضرائب، مما يخفض من المسؤولية الضريبية الإجمالية.
وتجريد الأرباح هي استراتيجية لتجنب الضرائب التي تستخدمها الشركات متعددة الجنسيات لتحويل أرباحها إلى البلدان ذات معدلات الضرائب المنخفضة, تتضمن هذه الاستراتيجية الاستخدام المفرط لمدفوعات الفوائد على القروض بين الشركات لتقليل الأرباح الخاضعة للضريبة في البلدان المرتفعة الضرائب, وبالتالي تسعير التحويل هنا غير قانوني من الناحية الضريبية، اذا يمكن اعتبار تجريد الأرباح شكلاً من أشكال التهرب الضريبي او تجنبها.
- يتم تحديد سعر التحويل واستخدامه من قبل الشركات متعددة الجنسيات لتحديد كمية السلع والخدمات المنقولة من إحدى الشركات التابعة في بلد معين إلى شركة تابعة أخرى في بلد آخر.
- كما أصبحت مسألة التسعير التحويلي على أساس دولي أداة حاسمة لتحقيق أهداف خاصة, مع توسع الشركات متعددة الجنسيات ونقل منتجاتها وخدماتها إلى الخارج ويمكن هنا تصنيف الأهداف إلى داخلية وخارجية:
وتشمل الأهداف الداخلية : تسهيل تقييم الأداء بين المديرين في الشركات التابعة الأجنبية, وتشمل الأهداف الخارجية :تخفيض ضرائب الدخل العالمية, و التقليل من مخاطر صرف العملات الأجنبية, وتجنب أي صراع مع حكومات البلدان المضيفة, وإدارة التدفقات النقدية, وزيادة القدرة التنافسية في الأسواق العالمية.
أهمية التسعير التحويلي بالنسبة للشركات الناشئة العالمية
التسعير التحويلي يمكن أن يؤثر بشكل كبير على الأداء المالي للشركة والقدرة التنافسية في الأسواق العالمية, والالتزامات الضريبية، ومن خلال تطبيق أسعار التحويل المناسبة، تستطيع الشركات المتعددة الجنسيات تحسين مراكزها الضريبية وتقليل مخاطر الازدواج الضريبي. على سبيل المثال، قد تختار الشركة تخصيص نسبة أعلى من الأرباح لشركة تابعة تقع في ولاية قضائية منخفضة الضرائب، وبالتالي تقليل العبء الضريبي الإجمالي. وعلى العكس من ذلك فإن تحديد أسعار التحويل منخفضة للغاية وغير مناسبة لطبيعة السوق, يؤدي إلى فرض عقوبات من جانب السلطات الضريبية , بالإضافة الى الإضرار بسمعتها الدولية.
طرق التسعير التحويلي
تعتبر عملية تحديد أسعار التحويل مهمة معقدة تتطلب دراسة متأنية لعوامل مختلفة, تُستخدم الأساليب القائمة على السوق والتكلفة والتفاوض والربح بشكل شائع لتحديد أسعار تحويل عادلة, وهنا يجب على الشركات اختيار الطريقة الأنسب لها بناءً على الظروف المحددة للمعاملة و يوجد العديد من الطرق لتحديد أسعار التحويل، ولكل منها مزايا وعيوب,و يعتمد اختيار الطريقة المناسبة على: طبيعة ونوع المعاملة، وتوافر البيانات ومدى قابليتها للمقارنة، واللوائح والقوانين الضريبية المحلية, ومن اهم هذه الطرق نذكر منها ما يلى :
1. الأساليب المعتمدة على السوق:
إحدى الطرق الأكثر استخداماً لتحديد أسعار التحويل هي الاسلوب القائم على السوق: تعتمد هذه الطريقة على أسعار السلع أو الخدمات المماثلة في السوق المفتوحة. ومن خلال النظر إلى الأسعار التي يتم بها شراء أو بيع السلع أو الخدمات المماثلة بين أطراف غيرمرتبطة، يمكن للشركات تحديد سعر تحويل عادل, على سبيل المثال، إذا كانت الشركة "أ" تبيع منتجاً إلى شركة غير ذو علاقة , بسعر 1000 جنية، فيمكنها استخدام هذا السعر كمعيار لتحديد سعر التحويل لنفس المنتج عند بيعه إلى الشركة التابعة لها.
2. الأساليب المعتمدة على التكلفة:
هناك طريقة أخرى لتحديد أسعار التحويل وهي الطريقة التى تعتمد على التكلفة: حيث تأخذ هذه الطريقة في الاعتبار تكاليف الإنتاج التي يتحملها قسم البيع عند تحديد سعر التحويل, الطريقة الأكثر شيوعاً المعتمدة على التكلفة هي طريقة التكلفة الزائدة: حيث تتم إضافة نسبة محددة مسبقاً إلى تكلفة الإنتاج. على سبيل المثال، إذا كانت تكلفة إنتاج منتج هي 500جنية، وقررت الشركة استخدام هامش ربح بنسبة 25%، فسيتم تحديد سعر التحويل عند 625جنيها تضمن هذه الطريقة أن قسم البيع يغطي تكاليفه ويحقق ربحاً معقولاً.
3.اسلوب التفاوض:
في بعض الحالات، قد تختار الشركات استخدام نهج تفاوضي لتحديد أسعار التحويل, تتضمن هذه الطريقة التفاوض المباشر بين قسمي البيع والشراء للتوصل إلى اتفاق على سعر التحويل, و تتميز هذه الطريقة بالمرونة وتأخذ في الاعتبار الظروف المحددة للمعاملة, على سبيل المثال، إذا كانت إحدى الشركات التابعة تواجه صعوبات مالية، فقد توافق الشركة الام على خفض سعر التحويل لدعم عمليات الشركة التابعة.
4. الأساليب القائمة على الربح:
أ- طريقة سعر إعادة البيع: تحدد هذه الطريقة سعر التحويل بناءً على سعر إعادة بيع المنتج مطروحاً منه هامش ربح مناسب.
ب-طريقة تقسيم الأرباح: مناسبة للمعاملات التي تنطوي على الإنشاء المشترك للأصول غير الملموسة أو سلاسل القيمة المعقدة، حيث تقوم هذه الطريقة بتخصيص الأرباح على أساس مساهمات كل كيان.
تركز الأساليب القائمة على الربح على ضمان حصول قسمي البيع والشراء على ربح عادل من الصفقة, إحدى الطرق القائمة على الربح شائعة الاستخدام هي طريقة صافي هامش المعاملات (TNMM), تقارن هذه الطريقة هامش صافي الربح للمعاملة الخاضعة للرقابة( الشركات التابعة ) مع صافي هامش الربح للمعاملات غير الخاضعة للرقابة ( المستقلة) المماثلة, ومن خلال مقارنة ربحية الصفقة مع معاملات السوق المماثلة، يمكن تحديد سعر تحويل مناسب.
5. Comparable Profits Method
طريقة الأرباح المقارنة (CPM) لتسعير التحويل هي طريقة تسعير تحويلية محددة تقارن النتائج التشغيلية لدافعي الضرائب الخاضعة للرقابة, مع نتائج دافعي الضرائب غير الخاضعين للرقابة (أي المعاملات بين الكيانات المستقلة),تعد طريقة الأرباح المقارنة (CPM) إحدى طرق التسعير التحويلي الخمس الرئيسية المقبولة في الولايات المتحدة, وهى تعادل طريقة صافي هامش المعاملات (TNMM) المستخدمة خارج الولايات المتحدة.
وتعتبر CPM طريقة مقبولة لاستخدامها في تسعير الأصول الملموسة أو الأصول غير الملموسة أو الخدمات - ومع ذلك، يقع على عاتق دافعي الضرائب اختيار الطريقة الأكثر ملاءمة لإعطاء النتيجة الأكثر دقة.
مثال لاستخدام استراتيجية التسعير التحويلي لتخفيض الالتزامات الضريبية "شركة AppleInc"
إحدى دراسة الحالة البارزة في التسعير التحويلي هي شركة AppleInc. وقد واجهت السلطات الضريبية اتهام للشركة, لاستخدامها لاستراتيجيات التسعير التحويلي لتخفيض التزاماتها الضريبية, اتُهمت شركة آبل بتحويل الأرباح بشكل مصطنع إلى مناطق قضائية منخفضة الضرائب من خلال تحديد أسعار نقل حقوق الملكية الفكرية, تسلط هذه الحالة الضوء على أهمية اختيار طريقة التسعير التحويلي المناسبة وضمان الامتثال للوائح الضريبية.
اثر السعر التحويلي على الوعاء الضريبي
تستطيع الشركة استخدام السعر التحويلي لنقل الأرباح والتكاليف إلى أقسام داخلية أخرى أو تقليل عبئها الضريبي، وذلك من خلال فرض سعر أكبر أو أقل من سعر السوق.
السيناريو التالي سيساعدنا على فهم تأثير السعر التحويلي على الفاتورة الضريبية للشركة:
بفرض أن مُصنّع سيارات لديه قسمان: القسم (أ)، الذي يُصنّع البرمجيات، والقسم (ب) الذي يُصنّع السيارات,يبيع القسم (أ) البرامج إلى مصانع سيارات اخرى, علاوة على بيعه إلى الشركة الأم, يدفع القسم (ب) إلى القسم (أ) مقابل البرمجيات، وعادة ما يدفع السعر السوقي السائد الذي يفرضه القسم (أ) على مصانع السيارات الآخري.
بفرض أن القسم (أ) قرر فرض سعر أقل على القسم (ب) بدلاً من استخدام السعر السوقي، نتيجة لذلك، انخفضت مبيعات أو إيرادات القسم (أ) بسبب تخفيض السعر.
من ناحية أخرى، انخفضت تكاليف البضائع المباعة لدى القسم (ب)، وبالتالي زادت أرباح القسم, باختصارانخفضت إيرادات القسم (أ) بنفس قدر الوفورات في تكلفة القسم (ب)، ولكن بالطبع لم يؤثر هذا ماليًا على الشركة ككل.
ونفترض أن القسم (أ) موجود في دولة تفرض ضرائب أعلى من الدولة الموجود بها القسم (ب)، بالتالي تستطيع الشركة توفير ضرائب من خلال جعل القسم (أ) أقل ربحية والقسم (ب) أكثر ربحية. من ثمّ، بيع القسم (أ) لبرامجه بسعر أقل، وانتقال تلك الوفورات إلى القسم (ب) وزيادة أرباحه من خلال تقليل تكلفة البضاعة المباعة، وبالتالي تنخفض ضرائب القسم (ب) بمعدل أقل.
وبالتالي : قرار القسم (أ) بعدم فرض السعر السوقي على القسم (ب) سمح للشركة بالتهرب من الضرائب, او دفع ضرائب اقل من الواجب دفعه.
أهمية الامتثال في التسعير التحويلي لتجنب العقوبات الضريبية
الخيار الأفضل لتجنب العقوبات الضريبية هو ممارسة الامتثال الطوعي وضمان دفع الضرائب في الوقت المناسب ,ويعد التسعير التحويلي مجالاً معقداً يتطلب دراسة متأنية وخاصة فيما يخص الامتثال للوائح الضريبية المحلية, ولذلك تركز السلطات الضريبية في جميع أنحاء العالم بشكل متزايد على ترتيبات التسعير التحويلي لمكافحة تحويل الأرباح وضمان فرض ضرائب عادلة, و يجب على الشركات المتعددة الجنسيات أن تحتفظ بوثائق شاملة، بما في ذلك سياسات التسعير التحويلي لديها، والتحليلات الاقتصادية، والوثائق الداعمة، لإثبات طبيعة معاملاتها التجارية.
ستاربكس مقابل المفوضية الأوروبية
ومن الأمثلة البارزة على الجدل الدائر حول التسعير التحويلي حالة ستاربكس والمفوضية الأوروبية, في عام 2015، أمرت المفوضية الأوروبية شركة ستاربكس بدفع 30 مليون دولار كضرائب متأخرة، على خلفية تلقى الشركة مساعدات حكومية غير قانونية من خلال اتفاقيات التسعير التحويلي مع هولندا, وسلطت هذه القضية الضوء على أهمية الامتثال للتسعير التحويلي وحاجة الشركات المتعددة الجنسيات إلى إجراء تقييم دقيق لترتيبات التسعير الخاصة بها لتجنب النزاعات المحتملة مع السلطات الضريبية.
دور السلطات الضريبية في الحد من عدم الامتثال في التسعير التحويلي
من المفترض ان تقوم السلطات الضريبية بتطبيق قواعد صارمة فيما يخص السعر التحويلي لمنع الشركات من استخدامه في التهرب من الضرائب, وتصبح ممارسة التسعير التحويلي غير قانونية عند استخدامها لغرض تجنب الضرائب.
ومن اجل هذا قامت السلطات الضريبية في مصر, بأصدر قانون الإجراءات الضريبية الموحد رقم 206 لسنة 2020 والمعدل بالقانون رقم 211 لسنة 2020, , والذى كان من اهم مواده ,المادة (12),(13)والمادة(14) من اللائحة التنفيذية ,حيث الزمت الأشخاص الاعتبارية غير المقيمة والممارسة للنشاط من خلال منشأة دائمة لأحكام المادتين (12) و(13) ,والتي الزمت كل شخص لديه معاملات تجارية او مالية مع اشخاص مرتبطة " بأن يقدم للمصلحة مستندات خاصة بمعاملاته التجارية والمالية لتسعير المعاملات وحددها بالملف الرئيس ,والملف المحلى , وتقرير على مستوى كل دولة على حدة, مع اعفاء الشخص الذى لا يتعدى أجمالي قيمة تعاملاته مع اشخاص مرتبطة خلال الفترة الضريبية مبلغ خمسة عشر مليون جنيه, وفى حالة الاخلال بالالتزام المنصوص علية بالمواد سالفة الذكر ,يؤدى المخالف مبالغ تتروح ما بين 1% الى 3% من قيمة المعاملات التي لم يفصح عنها"
- ونشرت أيضا هيئة الزكاة والضريبة والجمارك بالمملكة العربية السعودية, تعليمات تسعير المعاملات والتي صدرت بقرار من مجلس إدارة هيئة الزكاة والضريبة والجمارك رقم (8-2-23) بتاريخ2023/03/20 والذى احتوى على سبعة وعشرون مادة , وأيضا السلطات الضريبية بقطر والامارات وغيرها من الدول العربية , أعطت أهمية كببره لموضوع التسعير التحويلي سواء من خلال التشريعات او الأدلة الارشادية المتعلقة بالتسعير التحويلي.
- وذكرت مصلحة الضرائب الأمريكية (IRS), أهمية التزام دافعي الضرائب (الممولين) بالتطبيق السليم لطرق تسعير التحويل , وتقديمهم وثائق تسعير تحويل موثوق بها لمصلحة الضرائب ,لحمايتهم من العقوبات والمسائلة القانونية حيث :
تساعد تقارير تسعير التحويل التي توثق بشكل شامل الاختيار والتطبيق المعقول لطريقة تسعير التحويل، بما يتوافق مع المتطلبات المطلوبة( طبقا للقانون)، على إظهار المستويات المنخفضة لمخاطر الامتثال وبالتالي عدم الحاجة لمزيد من الفحص والتدقيق, كما تسمح وثائق التسعير التحويلي عالية الجودة للوكيل الفاحص بالاعتماد على تحليل دافعي الضرائب للمهام والمخاطر والأصول غير الملموسة ومحركات القيمة وما إلى ذلك، مما يوفر وقت دافعي الضرائب ومصلحة الضرائب في فحص مشكلات التسعير التحويلي منخفض المخاطر.
وبالتالي، فإن التوثيق القوي للتسعير التحويلي يسهل تقييمات وفحص مخاطر التسعير التحويلي بشكل أكثر كفاءة لكل من دافعي الضرائب(الممولين) والفاحصين, فبدلاً من أن يستغرق الفحص سنوات، قد يتم حل المشكلات ومعالجتها في إطار زمني أقصر بكثير.
التوثيق السليم المنطقي لطريقة التسعير التحويلي المختارة لإثبات الامتثال للوائح الضريبية
مثال لأهمية توثيق الأساس المنطقي لطريقة التسعير التحويلي التي تطبقها الشركات لإثبات الامتثال للوائح الضريبية:
تقوم شركة أمريكية بتوزيع الآلات الثقيلة التي تشتريها من الشركة الأم الأجنبية. تظهر مراجعة الإقرار الضريبي للموزع الأمريكي أنه تكبد خسائر كبيرة في عام 2017، وهو العام قيد المراجعة الضريبية, هذه الخسائر هي مؤشر أولي على أن الأسعار بين الشركات التي دفعها الموزع الأمريكي ربما كانت مرتفعة للغاية, هناك حاجة إلى مزيد من التحليل للوظائف الفعلية (التحليل الوظيفي للمعاملة الخاضعة للفحص ) والأصول والمخاطر الموزعة بين الأطراف ذات العلاقة لتحديد ما إذا كانت الخسائر ناجمة عن تسعير غير صحيح أو لظروف العمل, استنادًا إلى اتفاقية بين الشركات تم إبرامها في عام 2016، تم تحديد الأسعار بحيث يتوقع الموزع الأمريكي الحصول على عائد بنسبة X% من المبيعات في ظل ظروف العمل العادية, خلال عام 2017، انخفض الطلب على الآلات الثقيلة للشركة بشكل غير متوقع، وقام الموزع الأمريكي ببيع عدد أقل من المتوقع من الآلات, إن تطبيق سياسة التسعير يعني أن هذا الانخفاض في حجم المبيعات يؤدي إلى خسائر للموزع الأمريكي,و مع افترض أن سياسة التسعير في الاتفاقية بين الشركات الشقيقة تتوافق مع السلوك التجاري البحت وأن الخسارة كانت ناجمة عن تغيير غير متوقع في ظروف عمل الشركة، وليس بسبب الأسعار غير التجارية ( طبقا لاسعار السوق) بين الشركات.
في مثل هذه الحالة، يجب أن توضح الوثائق بدقة كيف تسببت ظروف السوق غير المتوقعة التي مرت بها الشركة في النتائج المالية الملحوظة وكيف أن الخسائر لم تكن ناجمة عن الأسعار بين الشركات الشقيقة. ومن شأن هذا النهج أن يعالج قضية أساسية في تحليل التسعير التحويلي ويسهل إجراء فحص فعال. وفي المقابل، قد يؤدي دافع الضرائب إلى التلاعب بمجموعته من الشركات المماثلة، بدلاً من معالجة الظروف التجارية التي تسببت في الخسارة. على سبيل المثال، قد يتبنى دافع الضرائب تحليلاً في وثائقه يتضمن شركات لا يمكن مقارنتها فعليًا بالموزع ولكنه يتسبب في وقوع نتائج الموزع ضمن النطاق الربعي لربحية الشركة المماثلة. ومن شأن هذا النهج أن يؤدي إلى جولات إضافية من طلبات وثائق المعلومات (IDRs) وتحليل مطول لموثوقية الشركات المماثلة التي اختارها دافعو الضرائب، وهو ما قد يؤدي إلى إطالة فترة المراجعة إلى حد كبير.
النقاط الرئيسية التي يجب على دافعي الضرائب (الممولين) مراعاتها عند تحديد أسعار التحويل
من المهم مراجعة وتحديث سياسات تسعير التحويل بانتظام للتكيف مع ظروف ولوائح السوق المتغيرة ,والحفاظ على وثائق مفصلة لدعم سياسات التسعير التحويلى,ومن خلال القيام بذلك، يمكن للشركات ضمان امتثالها لقوانين الضرائب المحلية وتجنب العقوبات المكلفة لعدم الامتثال, نستعرض فيما يلى اهم هذه النقاط التى يجب على دافعى الضرائب (الممولين) مراعاتها عند تحديد أسعار التحويل:
1. مبدأ البعد التجارى: هذا المبدأ هو أساس تسعير التحويل. يتطلب الأمر أن يكون سعر السلع والخدمات المنقولة بين الكيانات ذات الصلة هو نفسه كما لو كانت المعاملة بين طرفين غير مرتبطين. هذا يضمن تخصيص الأرباح بشكل مناسب وأن الضرائب يتم دفعها حيث يتم النشاط الاقتصادي.
2. طرق التسعير التحويلى: هناك العديد من طرق تسعير التحويل "والتى تم ذكرها ", التي يمكن استخدامها لتحديد سعر طول الذراع المناسب"هو مبدأ تقييم يُطبق عادةً على الحركات التجارية والمالية بين الشركات المعنية، ويُقصد به تقدير قيمة الحركات المالية كما لو أنها نُفذت بين أطراف مستقلة، وفيه يتخذ كل طرف من هذه الأطراف الإجراء الذي يحقق مصلحته الخاصة" ويعتمد اختيار الطريقة على طبيعة المعاملة والبيانات المتاحة.
3. متطلبات الوثائق: تطلب السلطات الضريبية في جميع أنحاء العالم من الشركات الحفاظ على وثائق مفصلة لدعم سياسات تسعير التحويل الخاصة بها,يجب أن تتضمن هذه الوثائق تحليلاً للوظائف التي يتم تنفيذها( التحليل الوظيفي
عادة ما يعكس التعويض في المعاملات بين أطراف مستقلة فى الوظيفة التي يؤديها كل طرف في المعاملة) والأصول التي يستخدمها، والمخاطر التي يتحملها. على سبيل المثال، كلما زاد عدد الوظائف التي يؤديها الطرف، زادت المخاطر التي يتحملها, والمخاطر المفترضة، والأصول التي يستخدمها كل كيان مشترك في المعاملة, يجب أن يتضمن أيضاً شرحاً لطريقة تسعير التحويل المستخدمة والبيانات المستخدمة لدعم سعر طول الذراع"هو مبدأ تقييم يُطبق عادةً على الحركات التجارية والمالية بين الشركات المعنية"
4. عمليات التدقيق في التسعير: تركز السلطات الضريبية بشكل متزايد على أسعار التحويل، وأصبحت عمليات التدقيق في هذا المجال أكثر شيوعاً, من المهم أن تكون مستعداً لتدقيق تسعير التحويل من خلال الحفاظ على وثائق مفصلة والقدرة على شرح الأساس المنطقي وراء سياسات تسعير التحويل المستخدمة.
5. العقوبات على عدم الامتثال: يمكن أن تكون عقوبات عدم الامتثال لقواعد تسعير التحويل مؤثرة بشكل كبير, بالإضافة إلى التزامات الضرائب المحتملة، يمكن أن تشمل العقوبات على عدم الامتثال, الغرامات والفوائد وحتى التهم الجنائية في بعض الولايات القضائية.
وبصفة عامة : إن تقديم دافعي الضرائب (الممولين) وثائق تسعير تتسم بالشفافية والمصداقية ,مثل ملخص المعلومات حول المعاملات بين الشركات الشقيقة في بداية وثائق تسعير التحويل, هذا يساعد فاحصي الضرائب على فهم معاملات دافعي الضرائب يمكن أن يساعد ملخص المعاملات بين الشركات في تركيز المراجعة والفحص على المعاملات الأكثر أهمية, وبالتالي تخفيض الوقت والتكلفة بالنسبة للطرفين دافعي الضرائب والإدارة الضريبية.
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليق