 |
الخوف من المستقبل |
كتب: د.مصطفى بدوى
المستقبل هو المجهول بالنسبة للأنسان , مهما كانت خططك المستقبلية مبنية على معطيات علمية واقعية ,سيظل الخوف من المستقبل هو المسيطر ,لأن تخطيتك مبنى على ما بين يديك من بيانات ومعلومات , والتي بطبيعة الحال لا تغطى الجانب الخفي والذى لا يعلمه الا الله وحده, هذا من ناحية التفكير العلمي لمشروع استثماري أو أي مشروع عمل جديد , او مشروع سفر للنزهة أوللعمل أو حتى مشروع زواج ,فالخوف من الفشل في مثل هذه الحالات ومثيلتها يعتبر شعور طبيعي .
أما المخاوف الأخرى والتي فد تعصف بالصحة النفسية للأنسان اذا غاص وتعمق فيها , فهي الخوف الدائم من الموت أو الخوف من فقدان حبيب مثل الخوف من فقدان الاب أو الام والابن ,أو الزوج او الزوجة ..الخ .
فقال سبحانه وتعالى: (إنَّ الإنسانَ خُلِقَ هَلوعاً إذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزوعاً وإذا مَسَّهُ الخيرُ مَنوعاً) [المعارج،19-21]، وقد أوضحت آيات عديدة خوف بعض الأنبياء في بعض المواقف، فذكر القرآن الكريم خوف موسى وهارون -عليهما السلام- من مواجهة فرعون فقال سبحانه وتعالى: (إنّنا نَخافُ أَيْ يَفْرُطَ علينا أو أنْ يَطْغَى) [طه،45]، وقد وضّحت آيات أخرى خوف إبراهيم عليه السلام من الملائكة الذين زاروه في صورة بشر، ولم تصل أيديهم إلى الطعام الذي قدمه لهم فقال سبحانه وتعالى: (ولقد جاءَتْ رُسُلُنا إبراهيمَ بالبُشْرى قالوا سلاماً قال سلامٌ فما لَبِثَ أنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنيذٍ. فلمّا رَأى أيدِيَهُم لا تَصِلُ إليهِ نَكِرَهُم وأَوْجَسَ مِنهم خِيفَةً قالوا لا تَخَفْ إنّا أُرْسِلْنا إلى قومِ لوطٍ) [هود،69-70]، وبَشَّروهُ بِغُلامٍ عَليمٍ) [الذاريات،24-28].
الخوف عند الانسان فطرة اصيلة فيه
وهذه حكمة الله في خلق الانسان ,فإذا كان الخوف صفة غير مرغوب فيها في بعض الأحيان ,فان الخوف في أحيان كثيرة مطلوب , فالخوف هو الحماية والدافع للنجاة أو النجاح في أحيان كثيرة .
- نستطيع أن نقول أن الخوف غريزة لدى الانسان, مثلها مثل الاكل والشرب والجنس , فأن لم تشعر بالجوع لن تأكل والنتيجة هي الموت, وان لم تشعر بالعطش لن تشرب والنتيجة هي الموت , وان لم تكون لديك شهوة الجنس لن تنجب ذرية, والنتيجة الفناء والزوال فإن لم تخف من النار احرقتك, وان لم تخف من الغرق لن تتعلم العوم والنتيجة هي الغرق لا محالة , وان لم تخف من الموت , وكنت مريضا لن تسعى للعلاج والنتيجة قد تكون الموت , وان لم تخف من الفشل ,فلن تسعى للنجاح , وان لم تخف من السقوط من الأماكن المرتفعة ,فلن تأ خذ حذرك, فتكون النتيجة هي السقوط وتعرضك لمخاطر الموت أو الإصابة , وان لم تخف من السطو عليك والاعتداء على مالك وتعرض اهلك للمخاطر ,فلن تسعى لحماية نفسك ومالك واهلك من المخاطر ,فتكون النتيجة هلاك المال والاهل , وقس على ذلك أمور كثيرة في حياتنا, بل وفى حياة الدول أيضا , فمثلا تسعى الدول لامتلاك اكثر الأسلحة تطورا, وان يكون لديها من الأسلحة اكثر من غيرها من الدول الأخرى ,لماذا؟ لأنها تخاف ان تسطو دولة أخرى عليها ,وتسلبها مواردها وتقتل وتدمر مقدرات شعبها ووطنها .
- لذا يعتبر الخوف من المحاور الأساسية في حياة الانسان, بل هو المحرك النفسي للإنسان في سعيه في هذه الحياة.
العوامل المشتركة بين الغرائز البشرية والخوف
-اذا كانت غريزة الطعام والشراب والجنس مقترنة بالرغبة, فإن غريزة الخوف مقترنة بالرغبة في البقاء خوفا من الموت ,والرغبة في النجاح خوفا من الفشل ,والرغبة والسعي في كسب المال خوفا من الفقر , والرغبة في الانتصار خوفا من الهزيمة , وهكذا كل رغبة بشرية يسعى اليها الانسان, يقابلها خوفا من ان يحدث عكسها ,وبالتالي نرى ان غريزة الخوف عامل مشترك بين كل الغرائز البشرية الأساسية.
- وهناك صفات إنسانية طبيعية لدى الانسان مفطور عليها ,مثل الفضول ، والعاطفة ،والغيرة ، والمنافسة ، والتفاعل الاجتماعي ، والتعاطف ، والتواضع ،وحب اللهو واللعب.
الخوف المرضى أو الخوف الاستباقى
فإذا كان الخو ف له أهميته الإيجابية الكبيرة في حياة الانسان ,فله أيضا سلبياته اذا زاد عن الحد الطبيعي ,فيصبح مرض , مثل مرض الخوف من المستقبل أو المعروف بالخوف الاستباقي .
ما هو مرض الخوف من المستقبل
- الخوف من المستقبل ظاهرة تنشأ في أفكار الانسان, عندما تسيطر المخاوف على حياتنا اليومية , وتكون مخاوف مبالغ فيها ,والمخاوف المبالغ فيها, تخص ما قد يحدث في المستقبل القريب . يمكن أن يتجلى الخوف من الأحداث المستقبلية أو المواقف الصعبة في شكل خوف من : التغييرات ,قرارات خاطئة ,السيناريو الأسوأ
-يقول أندرسون( طبيب نفسي ومعالج نفسي متخصص في علاج الصدمات) "الخوف من المستقبل ، أو المعروف باسم الخوف الاستباقي ، أمر شائع جدًا ويمكن أن يكون منهكًا للغاية في الحالات القصوى". "يصارع الناس الخوف ,عندما يقلقون بشأن نتيجة حدث مستقبلي لم يسبق لهم تجربته من قبل"
- يمكن أيضًا ربط الخوف بالتوقعات المحتملة لتبعات القرارات التي يتخذها الانسان , وخصوصا عندما يتعلق الامر باتخاذ قرار مصيري ,فيمكن أن يؤدي عدم عدم اليقين من تبعات القرار المتخذ إلى الخوف الاستباقي ، لأنه يجعل الناس يفكرون باستمرار في النتائج المحتملة لقراراتهم.
-إذا كنت تعاني من مستويات عالية من الخوف الاستباقي ، فقد يؤدى هذا الى عدم القدرة على التفكير بوضوح ، أو الخوف من مغادرة المنزل ، أو حتى الخوف من معظم التفاعلات الاجتماعية .
ما هي أسباب الخوف من المستقبل
1- انخفاض الثقة في النفس
إذا كانت ثقتك في نفسك منخفضة ، فسيكون من الصعب عليك قبول تحديات الحياة والتعامل معها , يفضل عدم تبنى أنماط التفكير السلبية ، غالبًا ما يكون الأشخاص الذين يعانون من انخفاض الثقة بالنفس, مقتنعين بأن المستقبل لا يحمل سوى السلبية ، بينما لا ينظر الى الأحداث الإيجابية التي قد تحدث أيضا..
2-الإجهاد المفرط
3- الصدمات المتتالية
4- الاكتئاب غير المعالج
أعراض الخوف من المستقبل
القلق من المستقبل لا يرتبط بعمر معين, يمكن أن يحدث هذا النوع من القلق مبكرًا مثل الطفولة أو أثناء البلوغ, الخوف من المستقبل شائع بشكل خاص في مراحل خاصة من حياة الانسان، فمثلا عند الزواج وإنشاء منزل خاص به ، أو عند إنجاب طفل, يمكن أن يؤدي الوضع المالي الصعب ,أو فقدان الوظيفة أو الانفصال أو الطلاق عن شريك محبوب إلى إثارة القلق بشأن النتائج المستقبلية, غالبًا ما يكون كبار السن لديهم قلق كبير بشأن مستقبلهم, الأمراض والحوادث والكوارث من الأسباب الشائعة للخوف من المستقبل .
واعراض الخوف من المستقبل يتخذ اشكال عديدة :
- فقد تكون الاعراض جسدية أ ونفسية, او كلاهما معا, فإذا كنت تشعر غالبًا بالتوتر أو الدوار دون سبب صحي ، فقد يشير جسمك إلى القلق بشأن المستقبل.
- إذا كان قلبك يتسارع وكان لديك ضيق في التنفس ، فقد يكون ذلك رد فعل جسديًا للقلق.
الأعراض الأخرى التي قد تشير إلى القلق و الخوف من المستقبل ما يلي:
هناك علاقة وثيقة بين الخوف من المستقبل والاكتئاب.
علاج الخوف المرضى أو الخوف الاستباقى
1- تجنب التجارب المؤلمة السابقة
هذا سبب شائع يجعل الناس يشعرون بالخوف الاستباقى ,فيمكن للتجارب السلبية السابقة أن تجعل الناس يشعرون بالقلق من أن نفس الأحداث السلبية سوف تحدث مرة ثانية.
2-التدريب على اليقظة الذهنية
أظهرت الدراسات , أن اليقظة الذهنية يمكن أن تحسن تنظيم المشاعر ، وهو أمر مفيد في تقليل التوتر, ويعمل على تحسين الوعى الإدراكي لطبيعة المشكلة, وهو أمر مهم بشكل خاص للأشخاص الذين يقلقون بشأن الأحداث المستقبلية. حتى أن الأبحاث وجدت أن اليقظة الذهنية يمكن أن تغير أجزاء من الدماغ للمساعدة في تحسين الوعى الإدراكي .
3-الاستعداد النفسي لتقبل النتائج المستقبلية
4- ممارسه الرياضة
يمكن أن تساعد ممارسة الرياضة ، وخاصة التمارين التي تتضمن اليقظة الذهنية مثل اليوجا ، بهذه الطريقة تضطر إلى التفكير بعمق في المشكلة المطروحة ,بدلاً من القلق بشأن المستقبل.
5- ثقتك بنفسك
الثقة القوية بالنفس هي أفضل حماية ضد المخاوف غير المنطقية. فكر في نقاط قوتك, فكر فيما حققته حتى الآن, وما هي المشاكل التي استطعت ان تتغلب عليها بنجاح في حياتك الماضية , ثق بقوتك الداخلية وأدرك أن المستقبل يحمل لك أشياء اجمل.
وأخيرا العلاج الشافي والكافي هو أن تكون في معية الله عز وجل دائما.
وندلل على ذلك بواقعة أمر الله لموسى وهارون -عليهما السلام- أن يذهبا إلى فرعون لدعوته ومخاطبته في شأن بني إسرائيل، وإجابتهما بأنهما يخافان من بطشه وعدوانه، لكنّ الله أخبرهما بأنّ عليهما ألاّ يخافا من بطش فرعون، وألاّ يخافا من تلك المواجهة لأنه -أي الله- معهما يسمع ويرى فقال سبحانه وتعالى: (قالا ربنا إنّنا نخافُ أَن يَفْرُطَ علينا أو أَن يَطْغى قال لا تَخافا إنّني معكُما أَسْمَعُ وأَرَى) [طه،45-46]، وقال سبحانه وتعالى: (وإذ نادى ربُّكَ موسى أنِ ائْتِ القومَ الظالمينَ قومَ فرعونَ ألاَ يَتَّقونَ قال ربِّي إنّي أَخافُ أن يُكَذِّبونِ ويَضيقُ صَدْري ولا يَنْطَلِقُ لِساني فأَرْسِلْ إلى هارونَ ولهم عَلَيَّ ذنبٌ فأخافُ أن يَقْتُلونِ قال كلاّ فاذْهَبا بآياتِنا إنّا معكم مُسْتَمِعونَ) [الشعراء،10-15]، وقد استوعب موسى عليه السلام الدرس في مواقف أخرى لذلك عندما خوّفه قومه من متابعة فرعون لهم وإدراكه لهم أخبرهم بأنه مطمئن وليس خائفاً لأنّ الله معه قال سبحانه وتعالى: (فلمّا تَراءى الجَمْعانِ قال أصحابُ موسى إنّا لمُدْرَكونَ قال كَلاَّ إنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدينِ) [الشعراء،61-62].
احسنت النشر
ردحذف