 |
ربط الدولار بالذهب |
د. مصطفى بدوى
ربط الدولار بالذهب بداية الهيمنة
ارهاصات هيمنة الدولار الامريكى :
في نهاية الحرب العالمية الثانية ، كان الاقتصاد العالمى على حافة الهوية ولم يكن هناك اقتصاد عالمى فعال ، مما حفز الدول على إنشاء نظام تجاري جديد ونظام نقدي جديد. تم تأسيس النظام النقدي في بلدة في نيو هامبشاير تسمى بريتون وودز ، سميت باتفاقية بريتون وودز.
وكان من أهم نتائج المؤتمر الاساسية ,هو ربط الدولار بالذهب عند 35 دولارًا للأونصة, والذى يمكن البنوك المركزية الأخرى استبدال الدولارات التي تمتلكها بالذهب, وفى هذا الوقت كان الدولار قوى بقوة الذهب, واصبحت كل عملة أخرى لها سعر صرف ثابت مقابل الدولار.
لماذا تم ربط الدولار بالذهب في تلك الفترة :
تم إنشاء معيار الدولار مقابل الذهب, لخلق بعض القدرة على التنبؤ والاستقرار للتجارة العالمية على مدار الخمسة وعشرين عامًا التالية ،وحقق هذا فى حينه ناجحا كبيرا, وأصبح الدولار العملة العالمية.
وكان هذا من بعض أسباب الانتعاش الهائل فى إقصاد أوروبا واليابان بعد الحرب, و خلقت ازدهارًا اقتصاديًا هائلاً في الولايات المتحدة ، طوال الخمسينيات والستينيات.
نهاية ربط الدولار الأمريكي بالذهب :
تولت إدارة نيكسون السلطة في عام 1969 ،وكان الاقتصاد العالمي قد نما بشكل كبير , ومن الطبيعى ان تزيد الطلبات على الدولارات ،ومن أجل ذلك كان الاحتياطي الفيدرالي يطبع الكثير من الدولارات, نتج عن ذلك زيادة عدد الدولارات المتداولة أربعة أضعاف مقارنة بالذهب في الاحتياطيات.
بحلول عام 1971 كان سعر الدولار أعلى من قيمته الحقيقية, مما يعني أن الواردات كانت أسعارها رخيصة جدا ، وكانت الصادرات باهظة الثمن, مما ادى الى أول عجز تجاري فى أمريكا منذ القرن التاسع عشر, بالاضافة الى ارتفاع نسب البطالة و فقدان القدرة التنافسية.
لذا لم تستطع أمريكا تحمل تبعات المسؤولية التي ورثتها بعد الحرب العالمية الثانية, لعقود طويلة من الزمن، فقد كانت الولايات المتحدة فى حينها( بعد الحرب العالمية الثانية) من اقوى دول العالم اقتصاديا ,ولكن تبدل الحال واصبح الاقتصاد الامريكى مثقل بالمشاكل الاقتصادية , وعلاوة على ذلك كانت هناك بداية التضخم ,واسمراره يعنى ان قيمة الدولارات أقل مما كانت عليه من قبل, فخشيت إدارة نيكسون أن تطلب الدول الأخرى الذهب وأن الولايات المتحدة ليست لديها ما يكفى مقابل الدولار, ذلك بمثابة كسر لالتزام امريكى بمبادلة الذهب بالدولار.
.قرار نيكسون بفك الارتباط بين الدولار والذهب:
ادرك نيكسون وفريقه أن الولايات المتحدة لم تعد غنية وقوية بما يكفي لدعم العالم الحر اقتصاديًا وعسكريًا ، وأنها بحاجة إلى مساعدة من الشركاء الديمقراطيين.
فكان عام 71 هو العام الذي بدأت فيه الولايات المتحدة العمل على انهاء خطة مارشال, اصطحب الرئيس نيكسون كبار مستشاريه الاقتصاديين إلى كامب ديفيد لتقرير مصير الدولار, على مدار ثلاثة أيام ، اتخذوا قرارًا جذريًا وخطيرًا بقطع ارتباط الذهب بالدولار الأمريكي ,حيث قاموا من جانب واحد بتغيير النظام النقدي العالمي بالكامل.
في مساء يوم 15أغسطس ,ظهر نيكسون على شاشة التلفزيون وأوضح بوضوح شديد ما تقرر, لن يكون الدولار مدعوما بالذهب بعد الآن. سيكون هناك تجميد لأسعار الأجور لمدة 90 يومًا في الولايات المتحدة لإخماد التضخم. وفرض تعريفة بنسبة 10٪ على جميع الواردات ، ولن يتم إلغاؤها إلا بعد وجود اتفاقية نقدية دولية جديدة.
وهكذا انتهى نظام بريتون وودز ,وبدء نظام جديد باسم نظام أسعار الصرف المرنة الذي اختلف عن نظام بريتون وودز ,وهنا اصبح نظام التعويم هو الأساس في تحديد سعر صرف العملة, على أساس قوى العرض والطلب ولا يزال هذا النظام قائم لحد الان.
 |
هيمنة الدولار |
استمرار هيمنة الدولار الأمريكي حتى الان :
الاقتصاد الأمريكي يعتبر من اكبر الاقتصاديات في العالم على كافة المستويات , الزراعية , الصناعية, التكنولوجية ,العسكرية , البحث العلمي, و الفضاء الخارجي، والذكاء الاصطناعي، وبنيتها التحتية المتعددة ,وتحتل الولايات المتحدة الامريكية المركز الأول من حيث تقدم أسواقها المالية, و رسملة البورصات الدولية, كل هذا دعم وعزز مكانة الدولار الأمريكي واعطته صفة القيادة في التسويات الدولية, ولذلك يظل الدولار الأمريكي هو العملة الأقوى نتيجة لعدم توفر ا لبديل المناسب, ونتيجة القوة الداعمة له في مختلف المجالات .
ما هي أسباب هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي
لماذا هيمن الدولار الأمريكي على اقتصاد العالم ما يقرب من قرن ومستمر حتى الان , الخبراء في الاقتصاد ذكرو بعض هذه الأسباب ومنها :
1- التداول الكثيف على الدولار:
الأمريكي , اشارت الاحصائيات ان الدولار الأمريكي هو العملة الأكثر طلبا في سوق المال ,وقدر المحللون حجم التداول اليومي ما يقرب من 5تريليونات دولار ,أي حوالى 90% من التعاملات التجارية حول العالم , وكذلك تعاملات البورصة ,حيث يشغل الدولار حوالى 87% من التعاملات اليومية .
2- ثبات سعر الصرف والأمان :
كبار رجال الاعمال في التجارة والصناعة في العالم يفضلون الاعتماد على الدولار الأمريكي في التعاملات المالية للمزايا العديدة ومنها :
- سهولة تحويل السندات الدولارية الى سيولة نقدية فى جميع انحاء العالم
- إمكانية بيعه وتحويله الى أي عملة نقدية في أي وقت
- الثبات النسبي فى سعر صرف الدولار الأمريكي ,فمن الصعب احتمال انهياره فى سوق تداول العملات , وهذا يجعل المتعامل به يشعر بدرجة عالية من الأمان , مع ضمان عدم خسارة مدخراته الدولارية بسبب انخفاض أسعار التداول.
- معدلات ا لاحتياطى النقدي المستقر نسبيا.
4- زيادة الطلب على الدولار الأمريكي :
تحدد قيمة العملات فى سوق الصرف (فى حالة تحرير سعر الصرف ) وفقا لمعاير العرض والطلب ,وحيث ان الطلب على الدولار الأمريكي في زيادة مستمرة , فلابد ان يتبع ذلك الاستقرار النسبي فى سعر صرفة ,وأيضا استمرار فى زيادة سعره , ويرجع ذلك لأن الكثير من المؤسسات والهيئات العالمية تشترط الدولار كعملة تعامل, كما ان هناك دول تعتمد فى تعاملاتها على الدولار الامريكى وهى المنتجة والمصدرة للبترول.
5- التحكم في إدارة الاقتصاد العالمي :
بعد تعرض أوروبا وإنجلترا بشكل خاص لخسائر فادحة ,بعد الحرب العالمية الأولى , بدأت إعادة هيكلة للنظام المالي العالمي , مما أتاح الفرصة امام الدولار الأمريكي للتفوق على الجنية الإسترليني وكان من ان اقوى العملات في ذلك الوقت ,وبعد انهيار الاقتصاد العالمي اعقاب اشتعال الحرب العالمية الثانية ,قامت أمريكا بوضع مشروع يحدد مسار الاقتصاد العالمي من خلال تأسيس قواعد جديدة للنظام المالي العالمي , فتم تأسيس صندوق النقد الدولي والتي تسيطر عليه أمريكا بطبيعة الحال, ثم الموافقة فى ذات المؤتمر على ربط الدول عملاتها بالدولار او بالدهب ,و أمريكا كانت من اكبر الدول التي تملك ذهب , حوالى ثلثي ذهب العالم في ذلك الوقت .
6- القوى السياسية والعسكرية :
هيمنة أمريكا سياسيا وعسكريا على معظم دول العالم وخاصة البلدان النامية , مما جعل هذه البلدان تبعا لها , فى جميع المحافل الدولية ,وخاضعة لقراراتها الاقتصادية والسياسية .
متى تنتهى سطوة الدولار
عام 2009 البداية الجادة لدعوات دولية من قادة كل من الصين وروسيا بشكل أساسي، لاستبدال الدولار كعملة عالمية, و لكن هذه الدعوة لم تجد انصار على الصعيد الدولي, حتى روسيا والصين في الأساس, ليست لديهم اليات واضحة لتنفيذ ذلك , فالأسواق المالية بنيتها ليست مؤهلة لهذه الدعوة الان، للعديد من الأسباب من أهمها:
أولا: حجم ومكانة الدولار في الاقتصاد العالمي، حوالى 62 % من الاحتياطي النقدي( المرتبط بميزان المدفوعات) في العالم بالدولار، ثم اليورو بحوالي 21% ، وهناك 7 دول صغيرة تعتمد الدولار الأمريكي عملة لها, و 32 دولة تربط قيمة عملتها بالدولار, وبالتالي فإن استبدال الدولار سيؤثر بقدر كبير على قيمة هذه الاحتياطات النقدية.
ثانيا: ما يقرب من 40% من ديون العالم بالدولار، وبالتالي فإن أي اهتزاز في قيمة الدولار سببت كارثة للدول الدائنة التي لن تقبل بعملة جديدة تؤثر علي قيمة الدولار. ونتيجة لذلك، تحتاج البنوك الأجنبية إلى الكثير من الدولارات لممارسة الأعمال التجارية.
ثالثا: حوالى 90 % من التبادل التجاري يتم من خلال الدولار ,و40% من سوق الأسهم العالمي مقيم بالدولار مما يؤكد تمكن الدولار في البنيات الاقتصادية العالمي , والتي تتأثر سلبا في حالة اهتزاز الثقة بالدولار.
رابعا: تطمع الصين ان يحل اليوان محل الدولار كعملة عالمية, ولكى يم لها ذلك لابد من اجراء إصلاحات هيكلية فى اقتصادها , وهذا لا يتقبله الحزب الحاكم حاليا , نظرا لتطبيق ما يشبه الاقتصاد الشمولي ( السيطرة الكاملة للدولة على القطاعات الاقتصادية ), اضف الى ذلك أن الصين تمتلك ما يقرب من تريليون دولار من الخزينة الأمريكية، وهي تربط اليوان بالدولار مما يجعل أسعار صادراتها إلى الولايات المتحدة رخيصة نسبيًا, وأكبر دولتين دائنتين لأمريكا هما الصين واليابان،
خامسا: التحالف الاستراتيجي بين أمريكا واروبا
الخلاصة : ليست هناك شيء مستحيل , فاحتمالات التحول عن الدولار وكسر سطوته ممكنة , فالغير ممكن الان قد يصبح فى المستقبل ممكنا وقد يتحقق , وخاصة مع التطور الاقتصادي والعسكري السريع للصين , وغزو منتجاتها دول العالم , وكشف الغزو الروسي لأوكرانيا, ,انها حرب اقتصادية في المقام الأول, كما كشفت عن حجم وقوة روسيا وقدراتها الاقتصادية المؤثرة على دول اروبا , وخاصة فيما يخص البترول ,فهل يترى هذه الحرب ستكون من ضمن تبعاتها سعى روسيا والصين بجدية لكسر سطوة الدولار الأمريكي ؟
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليق